سيكولوجية الشهرة الشخصية “البوز bose ” أية علاقة بين الفاعل..والمستفيد من انتاج التفاهة.. بقلم إسماعيل أيت حمو
بقلم الطالب الباحث إسماعيل أيت حمو
تقديم:
إن التنظير الذي قدمه الرسام الأمريكي ” آندري وورهول ” الذي تنبأ بظهور وسيط إعلامي يصنع من حلم الشخص العادي واقعا ملموسا لم يتوقف عن كونه تنظير بل سرعان ما تحقق، فقد عبر هذا الأخير في إحدى مقابلاته بمقولته الشهيرة ” في المستقبل سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط…”
ورغم أنه في الستينيات من القرن الماضي لم تكن وسائل الإعلام واسعة الانتشار بما يحقق نبوءة “ووهول”غير وأنه بعد مرور عقود قليلة من الزمن على نبوءته ، بدأت في التمظهر إلى الوجود بعض المواقع والتطبيقات التي تدخل ضمن قائمة وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، و التي حملت على عاتقها مهمة تحقيق نبوءة ما نظر إليه الرسام الأمريكي.. فأصبحت المعلومة تنتشر وتكتسح العالم شمالا وجنوبا في اللازمن.
وحسب إحدى الأبحاث التي قام بها موقع “Mamsys“، فإن النتائج التي توصل لها خبراء الموقع تكشف حقيقة هذا الامر، ففي عام 2017 فقط، كان معدل الدخول على موقع فيسبوك نحو. (900.000) في الدقيقة الواحدة، مقابل (46.200) صورة يتم تنزيلها على إنستغرام، و(452.000) تغريدة على تويتر، ونحو (4 ملايين) مشاهدة على يوتيوب في الدقيقة ذاتها.
ويظهر ذلك بشكل واضح الدور الكبير و الكبير جدا الذي تحققه وسائل الإعلام
في صناعة الأحداث و انتاج المشاهير، فأصبحت بذلك وسائل التواصل الاجتماعي زاخرة بالكثير من الأسماء
المشهورة على اختلافها ما بين الذي يقدم المحتوى العلمي المعرفي الجاد و الناذر، و الذي يتفنن في تقديم المحتوى الفراغ التافه و المرضي أحيانا مثل تلك التي تنتشر داخل المجتمع المغربي من قبيل ” أدومة، إكشوان إكنوان، ساري كول، نيبا…والقائمة طويلة، والذي يلقى إقبال على نطاق واسع خاصة في المجتمعات المتخلفة و المرضية التي يشملها العالم الثالث، فتبرز لنا ظاهرة ” البوز ” boseعلى مواقع التواصل كظاهرة تحتاج إلى التأمل و التساؤل ثم التقصي.
فعلى جل مواقع التواصل الاجتماعي ( فايسبوك، سناب شات، إنستغرام، تويتر، تيك توك…) تتفاوت أسماء العارضات و العارضين -الفاشيونيستا- و صناع المحتوى في تسابق على أرقام المتابعين المقدرة بمئات الآلاف، وربما الملايين، لأنهن يقدمن صورتهن في أزياء ومستحضرات و منتوجات لا تضيف قيمة تتناسب مع شهرة صاحبها، فهذا يحرك شفتيه على أنغام أغنية شعبية فيحصد مئات ملايين المشاهدات بلا أي سبب منطقي لهذا، و هذا يعتمد صورة الجسد لحصد المتابعين، وذاك يسوق لغته المرضية، و آخر يصور محتوى ساخرا عن يومياته و أسرته، وهذا يستعمل إفيهات الأفلام، وآخر يقلد المعلقين الرياضيين، وإلى آخر تلك القائمة الطويلة..
ذلك العرض المستمر في تقديم الذات على الآخرين لاجتلاب اهتمامهم والحصول على متابعاتهم اليومية، بصرف النظر عن المحتوى المقدم يدفعنا إلى التساؤل حول الأمر،ان هذه المواقع الاجتماعية كشفت ونفضت الغبار عن منظومتنا الاجتماعية الهشة بحيث أفرزت لنا عن الكثير من الأسئلة المهمة التي أصبحت تطرح نفسها بشدة على باحث اليوم.
إذن كيف يمكن الحديث عن ظاهرة الشهرة أو ” البوز ” boseفي ظل الدور المباشر الذي تلعبه وسائل الاعلام في تفشي هذه الظاهرة؟ و هل يمكن القول بأن البوز مفهوم يخدم مصلحة المجتمع الرأسمالي؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى ماهي التفسيرات العلمية خاصة منها السيكولوجية المقدمة في إطار هذا الطرح؟ وما دور الجمهور في انتاج التفاهة و بروز المشاهير الفارغين؟
#الصحافة و السوشيال ميديا أي دور في انتاج التفاهة.
في إحدى الأعمال السينمائية المتناولة لظاهرة البوز قدم المخرج وودي آلان في فيلم “To Rome with Love إلى روما مع حبي”، يسرد “وودي ألان” قصة لرجل إيطالي بسيط ذي مكانة عادية بين من حوله ويعيش حياة تكاد تكون “مملة سخيفة”، يستيقظ يوما من نومه، ليكتشف أن منزله محاصر بعشرات المصورين ورجال الصحافة، إذ أصبح بين ليلة وضحاها مادة لاهتمام الناس دون أن يفعل شيئا مجديا أو يقدم أمرا له معنى، في إشارة واضحة لدور الصحافة الحديثة في افتعال القضايا بحثا عن الإثارة وصنع الأخبار والنجوم من لا شيء.
يصبح هذا المواطن الإيطالي البسيط حديث وسائل الإعلام لأيام طوال، إذ تبقى تلاحقه لتسأله وتعرف عنه وعن حياته أدق التفاصيل الشخصية والتي تبدوا سخيفة أكثر لا تتعدى بكونها حياة روتينية عادية لأي فرد في المجتمع، ثم تنسحب عنه كافة الأضواء والكاميرات فجأة بعد أن عثرت على شخص آخر تجعله محورا لأحاديثها، فيجد الرجل نفسه وقد أدمن الشهرة ويسعى لجذب الانتباه وتذكير الناس من حوله بأنه كان مشهورا يوما ما، فما كان له إلا الخروج متعريا بشكل كلي وسط أحد الشوارع، هادفا لجذب الانتباه وإخبار الآخرين بوجوده…
إن المغزى الذي يمكن استنباطه من قصة هذا الفيلم واضح وضوح القمر في عمق الليل فالمعلومة الشخصية
أصبحت مادة تجارية تباع وتشترى ويتم الترويج لها لعرضها واستهلاكها كالسلعة تماما، ومنه تختار الصحافة أخبارها -كالسلع أيضا- وبنوع من الذكاء والدراسة الدقيقة من أجل تقديم المادة المطلوبة وفقا للمزاج العام ولاحتمالات انتشار الخبر وتناوله بشكل سريع داخل الأوساط الاجتماعية، ومن ثم جني الأموال والارباح على حساب تفاهة وربما اضطرابات الآخرين.
فيسبوك وإنستجرام وغيرها من مواقع وتطبيقات السوشيال ميديا، وحدها كفيلة بجعل البعض يشبه ذلك الرجل الذي دارت عليه أحداث الفيلم تماما، الأمر يبدأ بمعلومة أو معلومتين عن الحياة الشخصية، يتبعها صورة فصورتين تلقى اهتماما واسعا من المتابعين، أو قد تثير ضجة تزيد من شهرة ذلك الشخص، ويبدأ بعدها بالخوض في تفاصيل حياته واحدة تلو الأخرى ظنا منه أنها باتت مستباحة ومهمة تعني متابعيه وجمهوره.
وإذا رجعنا إلى عقد الستين من القرن الماضي وتحديدا سنة 1967 وهي نفس السنة التي نشر فيها الكاتب والمفكر الفرنسي ” جي ديبور ” كتابه الذي يحمل عنوان ” مجتمع الإستعراض “بحيث وصف المفكر المجمتع بمجتمع الفرجة أو العرض، بحث حاول فيه تحليل جدلية التقافة الاستهلاكية التي تسموا وتطغى على مجتمعات العصر الحديث والتي في الغالب ما تتحكم في خيوط تحريكها المجتمعات الرأسمالية عن طريق، الاعلام والإعلان، والتلفزيون، والأفلام، والمشاهير.
تلك الثقافة الاستهلاكية التي أصبح فيها “تسليع” الأشياء ممتدا لجميع نواحي الحياة، بدءا بالسياسة والاقتصاد ومرورا بالمسرح و الفكر والثقافة وانتهاء بالعلاقات الشخصية، فأصبحت المعلومة الشخصية تباع وتشترى ويتم الترويج لها لعرضها واستهلاكها كالسلعة تماما.
أما في العقدين الأخيرين ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي فإن الأمر أصبح مختلف فاتخد مجرى مختلف
فباتت الأخبار تعتمد على القدرة على تجميع أكبر عدد من الإعجابات والتعليقات، والمشاهدات، والمشاركات… ولو كان ديبور على قيد الحياة حتى يومنا هذا فإنه من شبه المؤكد أن يمتد تحليله وقراءته لمجتمع الاستعراض لتشمل كل ما يحدث على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعية و مختلف مواقعها.
الوهم عند تلك المجتمعات وحده هو المقدس، وأي حقيقة أو محاولة نقد ليست سوى محاولة لتدنيس ذلك المقدس، لذلك ترى الأفراد مصدقين لكل ما ينشره كل تلك الأصنام والشخوص الفارغة التي صنعها فيسبوك وانستجرام، تويتر، ووسناب شات… مستميتين في الدفاع عن كل ما يمسهم من خبر أو رأي أو تقرير.
مصلحة الرأسمالية في تضبيع الرأي العام و إنتاج البوز.
إن الشيء المتفق عليه والذي لا مجال للاختلاف فيه هو أن معظمنا في هذا العالم الصغير يمتلك حساب او حسابين على أقصى تقدير في مواقع السوشال ميديا فالعديد من الاشخاص يمضون الكثير من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك Facebookوانستغرام Instagramو تويتر Twitterويوتيوب YouTube إلى حد يمكن وصفه بالإدمان عند البعض وهذا موضوح آخر يستوجب المزيد من التقصي والدراسة في مستقبل الأيام…و غالبا مان الغرض الأصل من هذه المواقع هو تحقيق التواصل بين الأشخاص ومشاركة اللحظات الجميلة معهم ومتابعة الأخبار أو قراءة المعلومات المفيدة أو مشاهدة مقاطع الفيديو فهذه هي الغاية أو القصدية التي خلقت من أجلها هذه المواد الإعلامية الرقمية.
لكن وعلى مقولة الشاعر تجري الرياح بما لا تشتهي السفن قد جرت الرياح فغير شراع هذه الوسائل لتنحرف بذلك عن مقاصدها وغاياتها فمنذ ما يقارب العقد على ظهور هذه الوسائل الرقمية ظهرت مادة تجارية جديدة يمكن تسميتها الشهرة Bonne volontéلتتحول إلى مادة تجارية عن طريق ما يسمى بالبوز “bose” كناية على شركة امريكية متخصصة في الصوتيات وباعتبار مواقع التواصل الاجتماعي هدفها الأول وقبل كل شيء هو التواصل بين الناس؛ لكن سرعان ما اخترقت التجارة الرقمية هذه المرة المواقع الاجتماعية التي اصبحت كل وسائل الإعلام والاتصال التقليدية تتربع على منصاتها من جرائد إلكترونية وقنوات إعلامية…
وأمام سيف المنافسة التجارية الذي خلقته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بفضل ايقوناتها المتطورة في نقل المعلومة ونشر الثقافة بين مختلف ابناء المعمور عبر قنوات وجرائد إلكترونية أو مواقع الكترونية حرة(اي ملكية خاصة) تتسابق فيما بينها في نشر المعلومة ليس من أجل تنوير الرأي العام ونشر ثقافة القيم تتماشى مع عصر الثورة الرقمية لذلك يلاحظ اليوم عدم هيكلة وتاطير هذه المواقع الاجتماعية الشيء الذي دفع معظم هذه الفضاءات الإعلامية الرقمية تبحث عن البوز”bose” قصد الحصول على اكثر المشاهدات لجني العملة الرقمية _الصعبة_ الأمر الذي دفع أرباب هذه المواقع الاجتماعية إلى التخصص في مادة معينة تافهة من قبيل نشر الشطيح والرديح أو السب والقدف في أعراض الناس أو نشر العدمية خاصة في المجال السياسي و الاجتماعي، بحيث يتم اهام الجميع من خلال ما يتم نشره إنه من أجل النضال لكن الحقيقة هي من أجل جني الأموال على ظهر الخصوم السياسيين بمفهوم التواصل الاجتماعي وليس بمفهوم السياسة، وكذلك التخصص في نشر الفضائح ليس من أجل التشفي بل من أجل جلب العملة الصعبة.
إذن ما يمكن ملاحظته أيضا من خلال البحث الذي قمنا به حول هذه المادة الإعلامية الرقمية هناك عدم قابلية التطرق إلى المواضيع الهادفة مثل نشر ثقافة القانون وخلق فرص التشغيل والثقافة وقضايا الإقتصاد التضامني والخروج من أزمة البطالة…….
والسبب في ذلك يرجع الى عدة عوامل من بينها ان المواضيع المميزة والهادفة لا تحصل على المشاهدات في الغالب الأعم (1000vu) بالمقارنة مع المواضيع التافهة أو الرديئة التي لا تفيد في اي شيء وعلى سبيل المثال في هذا الإطار الرقص والكلام الساقط والنشر الفضائح …. تحصل على ملايين المشاهدات.
هذا كله يرجع إلى تضبع المجتمع أمام الحرب الإعلامية التي انسفت القيم والمبادئ الإنسانية والاجتماعية والثقافية أمام سخرية المجتمع وسيطرة المال على المبدأ…فأصبحت الرأسمالية تتغذى من وراء هذا التضبع إذا يكفي فقط انتاج محتوى تافه يتضمن بعض الكلمات القمامة أو المشاهد المثيرة…لجمي العملات الرقمية التي تقدر أحيانا بملاين الدولات.
سيكولوجية الشهرة.. النرجسية المرضية و موضة البوز أيه مقاربة.
في عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والثورة في عالم الإنترنت، بات حب الشهرة او البوز يستحوذ على كثير من البشر، والسعي نحو تحقيق أكبر قدر من الشعبية والانتشار، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. فكيف يمكن الحديث عن ظاهرة البوز من الناحية السيكولوجية وهل للنرجسية دور في إنتاج الشخصية البوز وهل يمكن اعتبار هذه الشخصية تنطوي تحت لواء المرض؟…أم الأمر يتعلق فقط بظاهرة الموضة؟
عندما تبحث عن الاحتياجات البشرية، فإن عالم النفس الأميركي “أبراهام ماسلو” سيعطيك الإجابة، وفق دراسات قام بها على زائري عيادته، على النحو التالي: في البدء، يحتاج الإنسان إلى إشباع رغباته الفسيولوجية، ثم الأمنية، مرورا بالرغبات الاجتماعية، ليقف بك التدرج عند الحاجة إلى التقدير، ثم يمضي إلى الحاجة الذاتية في التميز والتف
الحاجة إلى التقدير إذن، ذلك الدافع الطامح إلى إشباع رغبته والمتمركز حول “الأنا”، “حيث تقترن حاجات تحقيق الذات اقترانا وثيقا بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور، وفي هذا السياق، يذكر الدكتور “ميتش برينشتاين” أحد الباحثين البارزين في علم نفس الشعبية بجامعة “نورث كارولينا”، أن الباحثين يُقسمون الشعبية إلى نوعين:
النوع الأول، وهي الشعبية القائمة على التفضيل الاجتماعي، أو المحبة والاحترام اللذين يلقاهما المرء نتيجة لتمتعه بشخصية جذابة و”كاريزما” لطيفة. والنوع الثاني، وهي الشعبية المتمحورة حول السمعة الاجتماعية، والتي يسعى من خلالها المرء لحيازة الإعجاب بصرف النظر عن كونه محبوبا أم لا.
ويرى “برينشتاين” أن هذا النوع الأخير بات الأكثر انتشارا في العالم، وهو آخذ في التزايد بصورة خطيرة، “ومقارنة بالعقود القليلة الماضية، أصبحت أهداف حياتنا اليوم تعكس رغبتنا في امتلاك المزيد من الممتلكات، والحصول على المزيد من القوة، والشعور بمكانتنا ونُفُوذِنا، وكوننا مؤثرين وأصحاب سلطة بين مجتمعاتنا. و يتناقض هذا بشكل صارخ مع رغبتنا في تعزيز المجتمع وتنميته، والتعاون بعضنا مع بعض كما كان منذ بضعة عقود.
فالرغبة في الشهرة -لدى هذا النوع- قد تخفي إحباطا أو اضطرابا نفسيا غير مشخص، كما تقدم الشهرة وعدا -كذلك- بالهروب من العزلة، سواء كان ذلك حقيقيا أو بصورة متخيلة. إنها تردع المنتقدين، بل وربما تعتصر بعض الفتات من التقدير من أولئك الذين استكثروا علينا الابتسامة بينما كنا نتشبث بطريقنا للخروج من أرض النكران
فكلما جمعنا المزيد من التقدير كانت الجرأة على تجاهلنا أقل، فالشهرة أو البوز -في حالات كتلك- تلعب دور الدرع المُحصِن لنا من الإحباط، إنها تصرح بأهميتنا لأي شخص يحاول أن يضعنا جانبا وتهدده بعواقب في حال تماديه.. إنها تساعد على تهدئة الأصوات المنتقدة التي قمنا بكبتها في داخلنا من الآباء والأمهات، وزملاء الدراسة والمدرسين.
و في وصفه لطبيعة التفاعل الاجتماعي يرى عالم الاجتماع “إرفينغ غوفمان” في نظريته عن عرض الذات أن ثمة جدلية أساسية تكمن خلف جميع تفاعلاتنا الاجتماعية، وهي أن الفرد عندما يكون في حضور الآخرين فإنه يسعى لاستكشاف واقعهم، ومن ثم يقوم بتصدير صورته إليهم بالشكل الذي يتسق مع مصلحته الذاتية، وهو ما يحققه له الاهتمام بالمظاهر في كثير من الأحيان.
فحسب “باوميستير وهيوتن”، فإن عرض الذات يمكن التعبير عنه بالسلوك الذي “يتوخى توصيل بعض المعلومات حول الذات أو بعض من صورة الذات إلى الآخرين، وهو ما لا يتم “إلا إذا كان هناك من سيطلع على هذا العرض ومن سيقيمه. فحينها يتحرك المرء لعرض ذاته بدافعين رئيسيين، أولهما: هو إرضاء الجمهور، بمقارنة المعروض من الذات مع توقعات وتفضيلات الآخرين لينال إعجابهم وإثابتهم.
وثانيهما: هو إرضاء الذات نفسها، أو بمعنى أدق بناؤها، وذلك عن طريق مقارنة المرء لها (ذاته الفعلية) مع التصور النموذجي لديه عنها (ذاته المرجوة)، فتراه يصدر للجمهور صورة الذات التي يود أن يكون عليها، لا ذاته التي هو عليها بالفعل، فترضى ذاته الفعلية عن تلك الصورة المعروضة التي تجتذب الإعجاب، وكأنها هي في حقيقة الأمر.
ذلك الدافع الأخير، وحسب الباحث “طارق عثمان”، قد وفرت له وسائل التواصل الاجتماعي منصة عريضة لمزاولته من خلال “بروفايل” المرء ومدوناته و”سيلفيهاته”، “فالأصدقاء والمتابعون على فيسبوك بمنزلة الجمهور الذي يعرض المرء جزءا من ذاته أمامه”، إما لكسب رضاهم، وإما لإقناع ذاته بصورته التي يود أن يكون عليها.
الأمر الذي يوافقه “جيفري هانكوك”، أستاذ التواصل بجامعة “ستانفور” من خلال بحث نشره في مجلة “Cyberpsychology Behavior and Social Networking“، يفيد أن فيسبوك قد يملك تأثيرا إيجابيا على تقدير الذات لدى طلاب الجامعات؛ “لأنه في الغالب يُظهر النسخة الإيجابية من أنفسنا. كذلك، وجدت دراسة أخرى نشرت في نفس المجلة، أن استعراض وتعديل حساب الفيسبوك الخاص بك، يمكنه أن يُعزز ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك”.
أن تكون مشهورا.. أن تكون نرجسيا
نستنتج مما تقدم، أن تكون مشهورا يعني أننا أمام احتمالين: أن تكون مستحقا لذلك لما لديك من الإفادة أو الشخصية النافعة/ذات الكاريزما، وإما أن تكون ساعيا للشهرة بلا أي رصيد معرفي يضيف إلى متابعيك أي شيء. لكن ماذا عن النرجسية؟ هل تدعم الشهرة النرجسية، أم نسعى نحن لها لكوننا نرجسيين؟
بداية، فيمكن تعريف النرجسية بأنها “سمة أو خصيصة شخصية تنطوي على رؤية الشخص لنفسه ككائن متفوق وأرفع مقاما ومنزلة. وهذه الشخصية تأتي مع الإحساس بالتخويل أو التفويض “أستحق الأفضل، أي الميل لوضع الذات أولا والاستخفاف برغبات وحاجات الآخرين و فرط تقدير الذات.
وفي هذا الشأن، فقد أفضت دراسة لمجموعة من الباحثين الكنديين بجامعة “يورك” إلى أن الأفراد الذين يمضون أوقاتا أطول على فيسبوك، يميلون إلى امتلاك شخصيات نرجسية وشعور دفين بعدم الأمان. الأمر الذي يدفعهم إلى ترويج ذاتهم كالسلعة المعروضة للجماهير، ويزيد -بدوره- من نرجسيتهم واعتدادهم بأنفسهم.
حيث أثبتت العديد من الدراسات “وجود صلة مباشرة، بين الزيادة الحادة في تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية خلال عشر السنوات الأخيرة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي في كل مكان” ذلك فضلا عن تصنيف الباحثين لبعض السلوكيات، التي يتبعها رواد تلك الشبكات مثل السعي لاجتذاب مزيد من المتابعين، والظهور في صورة إيجابية أمامهم طوال الوقت، ومشاركة تفاصيل حياتهم معهم، ضمن صفات الشخصية النرجسية على وسائل التواصل.
كما أجريت بعض الدراسات على عينة من المشاهير، فأظهرت مستويات عالية من السمات النرجسية أعلى مما لدى الناس الآخرين، لكن ما وجدته هذه الدراسات هو أنه لا علاقة للنرجسية بالفترة الزمنية للشهرة، مما قد يعني “أن النرجسيين ينجذبون إلى أسلوب حياة المشاهير وليس أن أسلوب حياة المشاهير يحول هؤلاء تدريجيا إلى نرجسيين.
ويضيف ” دانييل بورستين”في تفسير العلاقة بين عالمين: بين عالم حقيقي نحياه، وعالم افتراضي نحيا به. ففي نظرية “باومان” عن تلك العلاقة، يرى عالم الاجتماع البولندي أن مواقع التواصل الافتراضية قد عكست القواعد التي ينبني عليها التفكير والشعور، فأصبح العالم الافتراضي هو المعيار الذي يحتكم إليه العالم الحقيقي، لا العكس، وبهذا تصبح شهرة مواقع التواصل -والتي لا تعبر بالضرورة عن قيمة صاحبها في الواقع- شيئا حقيقيا يستحق كل هذا المجهود لعرض الذات.
كما أن “باومان” يرى أن الشهرة فقدت قيمتها عما كانت عليه فيما سبق، ويضع في ذلك مقارنة بين شهرة الشهداء -مثلا- في العصور السابقة، وشهرة نجوم الصورة والبروباغندا الحالية.
فيقول: “كانت شهرة الشهداء والأبطال تستمد من أفعالهم، وكانت ذكراهم حية حتى يمكن تخليد تلك الأفعال”. فالأسباب التي وضعت المشاهير في بؤرة الضوء هي أقل الأسباب أهمية للاشتهار، فالسبب الرئيسي هنا هو تكرارهم وانتشارهم بصورة فجة على وسائل الإعلام/التواصل دون أن يمتلكوا سببا نافعا لشهرتهم.
الأمر الذي يسلع هؤلاء المشاهير مرة أخرى، أي يحولهم إلى مجموعة من السلع، فبعد عرض الذات الذي يتجاوز أحيانا أدق الخصوصيات كما تسمح بعض الفاشيونيستا للجمهور بمعاينة تفاصيل يومها الخاصة، يقف المشهور ثانية على خشبة الجمهور كسلعة يمكنه الاستغناء عنها والانتقال إلى غيره، فالاشتهار يختلف عن الشهرة في كونه يتكون من أحداث منفصلة/مجموعة من المنشورات أو الفيديوهات غير ذات القيمة.
فكل “موكب من مواكب المشاهير يطلع من مكان غير معلوم لتطويه بعد فترة وجيزة صفحة النسيان”، فمعجبو المشاهير غير معجبي الشهداء أو الأبطال؛ ذلك لأنهم لا يستبعدون ولا يمتنعون عن الانتقال إلى غيرهم ممن يقدّمون أنفسهم في أثواب الموضة أو الابتذال، وهو ما تشجع عليه سمات العصر الاستهلاكي الحديث وفقا لـ “باومان”.
فالأمر في النهاية -حسب “باومان”- لا يبدو ذا قيمة حقيقية ما لم يكن للمرء نفع أو بطولة فعلية تغير وجه الحياة لمعجبيه، فلو كانت الشهرة، بصورتها السائلة الحديثة، شيئا يسعى إليه، بل تكتب فيه النصائح لتضج بها محركات البحث على الإنترنت، فما القيمة الفعلية التي يحققها المرء من ذلك؟
هل هي احتياجات الذات الساعية إلى التقدير؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل كل ما تحتاجه النفس يكون مشروعا دون تحجيم أو تهذيب؟ وهل يمكن اعتبار هذا الطلب خللا نفسيا يفضي بصاحبه إلى النرجسية والتعالي على الآخرين بسبب عدد المتابعين في صفحته على أحد مواقع التواصل.؟.
دور المشاهير نفسهم في انتاج التفاهة.
لا أحد يمكن له أن يتنكر من واقع اليوم ولا نستطيع تجاهل مرارة ما تبصم عليه سياسة المجتمع من استغباء و استحمار تبتث جدورها بسلاسلة عليه أصبحنا نعيش في زمن التفاهة بامتياز ، بحيث أصبح كافيا أن ترفع فيديو على اليوتيوب، أو بتقنية البث المباشر على الفيس بوك، تتحدث فيه بكلام سوقي أو ببلاهة لتصبح واحدا من مشاهير المغرب ، وتتسابق نحوك بعض المواقع الإخبارية و المنابر الإعلامية من أجل التسجيل معك ولو بمقابل مادي في عدة أحيان، لا لشيء سوى أنك تمثل لها مادة أو محتوى تسويقي مضر للدخل ومواقع التواصل الإجتماعي مليئة كثيرا بمجموعة من النماذج والمعروفة عند المجتمع المغربي، ساري كول، إكشوان إكنوان، نيبا، أدومة..والقائمة طويلة، والغريب في الأمر أن الأمر يتطاول متجاوزا الطبقة اللاواعية ليمتد إلى أهل الفكر و الوعي والثقافة. ففي أحد الأيام انتشر فيديو على نطاق واسع لطلبة فصل ما و داخل قاعة معينة من الفضاء الجامعي المغربي وهم يرددون ويغنون “حتى لقيت لي تبغيني عاد جايا تسولي فيا ” وهي أغنية أنتجتها ظاهرة البوز وهنا
بل ووصل الأمر بكون الفنان و السينما و التلفزيون المغربي إلى الاستعانة ببعض من الشخصيات البوز المذكورة سلفا في تصور برنامج أو فيلم أو فيديو كليب ماجن من أجل تحقيق “البوز” المنشود..
خلاصة
إذا كانت لـ”البوز” قواعده وتقنياته وخصائصه المتعارف عليها عالميا في عالم الدعاية والترويج لسلعة أو منتوج ما، فإن “البوز” على الطريقة المغربية، يشكل استثناء، كما العادة. يدفعنا إلى التساؤل عن علاقة البوز بالشوهة
“البوز” المغربي يرفع شعار الشوهة أكثر والفضائحية و”الشوهة” أكثر من كونه بوز له معايير محترمة. وبدون هذه “التيمات”، يستحيل أن يتحقق. إنها المعادلة الوحيدة التي تصيب الهدف وتفي بالغرض وتمكن من حصد أكبر عدد ممكن من “اللايكات” و”البارتاجات” وتحقيق الدخل و الشهرة الواسعة والسهلة.
الكل منخرط في اللعبة. سياسيون وفنانون ورياضيون، وعامة. ومن كان خارجها، أصبح مهمشا ومتجاوزا.
–المراجع–
1-كيف غير سناب شات مفهومنا عن الشهرة؟
2-الحاجات النفسية في حياة الناس اليومية
3-إبراهيم سلمان، اللهاث وراء الشهرة
4-سيكولوجيا الشهرة.. لماذا يريد الكثيرون التحول إلى «بابليك فيجرز»؟
5-إرفينغ غوفمان، عرض الذات في الحياة اليومية
6-طارق عثمان، أكثر من مجرد صورة: الدوافع النفسية للسيلفي
7-فاطمة نادي، هل فيسبوك قادر على منحنا الثقة بالنفس؟
9-تيسير حسون، النرجسية تطبع حياة المشاهير
10-‘Psychology of Popularity’ Course
11-Facebook fiends tend to be narcissistic,insecure: York U study.
12-Personality and Individual Differences
13-Robert W. Fuller,Why Do We Want To Be Famous?
14-زيجمونت باومان، الحب السائل، ترجمة حجاج أبو جبر
15-زيجمونت باومان، الحياة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر
16-إبراهيم هلال، لاهثون وراء الموضة.. هل نحن أحرار حقا؟
17-بحث الكاتب الفلسطيني همام يحيى ” ما دور الجمهور في شهرة المشاهير الفارغين.
المواقع والجرائد:
موقع ميدان
المغرب اليوم
جريدة الصباح
sasa post