درس الشخص والهوية
سنتعرف من خلال هذا الدرس على المحور الأول من مفهوم الشخص هو محور الشخص والهوية، وسنتطرق من خلالها إلى المحاور التالية:
- تعريف مفهوم الشخص ومفهوم الهوية
- الشخص والهوية إشكالات فلسفية
- مواقف فلسفية حول الشخص والهوية
- أقوال فلسفية في موضوع الشخص والهوية
- نصوص فلسفية حول الشخص والهوية
- تمارين وأنشطة بخصوص الشخص والهوية
أهداف الدرس:
- إدراك دلالة مفهومي الشخص والهوية
- إدراك أسس هوية الشخص
- امتلاك معرفة فلسفية لمعالجة إشكالات الشخص والهوية
تعريف مفهوم الشخص ومفهوم الهوية
1 – تعريف مفهوم الشخص:
يدل مفهوم الشخص من حيث دلالته اللغوية العربية على كل ما هو ظاهر ومشخص وله ارتفاع وظهور، ففي لسان العرب لابن منظور نجد تعريفا للشخص كما يلي: “الشخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد، والشخص كل جسم له ارتفاع وظهور، ورجل شخيص إذا كان سيدا…” أما الأصل الإشتقاقي اللاتيني لمفهوم الشخص، فهو كلمة PERSONA، والتي تدل على القناع الذي كان يضعه الممثل على وجهه كي يتناسب مع الدور الذي سوف يقوم به في المسرحية. وهكذا يتضح أن مفهوم الشخص من حيث دلالته اللغوية يدل على الفرد وعلى ما يميزه، كما يدل على أدواره الإجتماعية والقانونية.
لكن مفهوم الشخص يحضر بشكل دقيق في دلاته الفلسفية، حيث يشير الشخص إلى الذات بما هي ذات واعية قادرة على التمييز بين الخير والشر، والقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها أخلاقيا وقانونيا. ويمكن أن نستند إلى قول كانط: الشخص ذات لعقل عملي أخلاقي. ومعنى هذا القول أن الذي يجعل الشخص شخصا هو كونه ذاتا لعقل عملي أخلاقي، ومعنى العقل الأخلاقي، العقل الذي تصدر عن الواجبات الأخلاقية.
إذن فالشخص ذات إنسانية عاقلة واعية مسؤولة عن ذاتها وقادرة التمييز بين الخير والشر…
2 – تعريف مفهوم الهوية
لمفهوم الهوية دلالات شتى، ومن حيث الدلالة العامة فمهوم الهوية يشير إلى حقيقة الشيء وصفاته الجوهرية. لكنها تدل بشكل خاص على ما يجعل الشخص مطابقا لذاته ومختلفا عن غيره، أي أنها هي ما يجعل الشخص هو هو رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة.
بخصوص مفهوم هوية نجد في موسوعة لالاند الفلسفة التعريف التالي:
الهوية هي خاصية ما هو مماثل. وهل أيضا خاصية فرد، أو كائن شبيه بفرد ما والذي نقول إنه مماثل له، أو إنه هو ذاته في مختلف لحظات وجوده…”
الشخص والهوية إشكالات الفلسفية
- ما اساس هوية الشخص؟
- ما الذي يجعل الشخص هو هو، متطابقا مع ذاته ومختلفا عن غيره رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة؟
- هل تتأسس هوية الشخص على الفكر المجرد، أم على الفكر المقرون بالشعور، أم على الإرادة أم على غير ذلك؟
- هل هوية الشخص ثابتة أم متغيرة؟
- هل أساس هوية الشخص ثابت أم متغير؟
- هل اساس هوية الشخص واحد أم متعدد؟
- هل للشخص هوية؟
مواقف فلسفية حول الشخص والهوية
رونيه ديكارت وموقفه من إشكال الشخص والهوية
بخصوص هوية الشخص يؤكد رونيه ديكارت أن أساس هوية الشخص هو الفكر بما هو فكر مجرد. ففي كتابه التأملات يذهب ديكارت إلى أن الأنا (الذات) هو شيء مفكر، أن الشيء هو شيء يفكر ويفهم ويتصور، ويثبت… ومنه فالذي يمنح الذات وجودها ويمكنها من وعي ذاتها هو الفكر. ومنه يتضح لنا كيف أن أساس هوية الشخص حسب الفيلسوف رونيه ديكارت هو الفكر، والذي هو فكر مجرد، أي الفكر الذي لا يرتبط بأي شيء مادي. وللتوسع في هذا الموقف الفلسفي الذي يجعل الفكر أساس هوية الشخص يمكن العودة إلى أسس المذهب العقلاني في الفلسفي والذي يعتبر ديكارت رائده في الفترة الحديثة.
جون لوك وموقفه من إشكال الشخص والهوية
رغم أن جون لوك مثل ديكارت جعل الفكر خاصية إنسانية اساسية، حيث عرف الشخص بكونه كائن مفكر وذكي، وقادر على الإستدلال والتفكير، إلا أنه يعتبر أن عودة الشخص إلى ذاته باعتبارها الشيء ذاته الذي يفكر في مختلف الأزمنة وفي مختلف الأمكنة لا تتم إلا عبر الشعور.
ففي كتابه رسالة في الفهم الإنساني يعرض جون لوك لأطروحة مفادها أن “الفكر بما هو شعور بالذات بأنها هي ذاتها هو أساس الهوية الشخصية”. فإدراك الشخص لذاته بأنه هو نفسه الكائن المفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة لا يمكن أن يتم إلا عبر الشعور الذي لا يقبل الانفصال عن الفكر. فالشعور إذن الأساس الثابت لوعي الشخص بذاته رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة، فبدونه يندثر معنى الشخص وهويته. إلا أن الوعي التام بهوية الشخص لا يكتمل إلا بالذاكرة، ذلك أن الوعي ومعه الهوية يتسع ليشمل أفعالنا الماضية. الأمر الذي يجعل من الذاكرة همزة وصل بين ماضي الشخص وحاضره باعتباره الشخص نفسه. وبدون الذاكرة يفقد الشخص شعوره بكونه هو نفسه الآن الذي كان في الماضي.
- شاهد أيضا: تحليل نص جون لوك – الشعور أساس لهوية الشخص
جول لاشولييه وموقفه من إشكال الشخص والهوية
في كتابه السيكولوجيا والميتافيزيقا حاول الفيلسوف الفرنسي جول لاشولييه الإجابة عن إشكال إن كان لهويتنا أساسا ثابتا. ليجيب بأن هناك من الوقائع ما يفند الأطروحة القائلة بوجود أساس ثابت، مؤكدا ذلك بمجموعة من الأمثلة من قبيل مثال النوم ومثال فقدان الذاكرة وأيضا مثال الذين يعانون من انفصام الشخصية. فالذي يكون نائما يكون له أنا متخيلا فقط، والذي فقد ذاكرته يفقد صلة الوصل بين ماضيه حاضره، والذي يعاني من الإنفصام يتشكل لديه أنا أول وأنا ثاني. لكن كيف ننظر لأنفسنا على أننا شخص واحد في كل فترات عمرنا؟ يجيبنا جول لاشولييه بقولة : “هناك شيئين يجعلاننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا وهما دوام نفس الطبع والذاكرة، فوحدة الطبع تجعلنا نقوم بنفس رد الفعل وتطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصي. أما الذاكرة فهي التي تمسح بامتداد وعينا إلى الماضي. ليستنتج لاشولييه بأن هويتنا الشخصية ليست معطى أوليا، وإنما صدى لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة.
أقوال فلسفية في موضوع الشخص والهوية
- ليست هويتنا الشخصية معطى أوليا أصليا في شعورنا، بل إنها ليست إلا صدى لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة. “جول لاشوليي”
- تتوقف الهوية على الإرادة على الإرادة التي تظل في هوية مع نفسها، وعلى الطبع الثابت الذي تمثله. “أرثور شوبنهاور”
- إن الشخص صيرورة تطغى على كل تحديد، لما لها من غنى وإمكانيات. “محمد عزيز الحبابي”
- أن فقدان الشخص للذاكرة أو لقدرته على التفكير قد يتسبب في حدوث تبدل في الهوية على نحو لا يظهر في حالة فقدان عضو من أعضاء الجسم. ” بيرتون بورتر”
نصوص فلسفية حول الشخص والهوية
- الهوية والإرادة – أرتور شوبنهاور
- الفكر جوهر الذات وأساس هويتها – رونيه ديكارت
- نص الهوية والشعور – جون لوك
- نص الهوية الشخصية والجهاز النفسي – سيغموند فرويد
تمارين وأنشطة بخصوص درس الشخص والهوية
التمرين الأول:
اشرح مضمون القولة التالية
إن الشخص صيرورة تطغى على كل تحديد، لما لها من غنى وإمكانيات.
التمرين الثاني:
حرر مقالا تعالج فيه الإشكال التالي:
هل أساس هوية الشخص هو الفكر المقرون بالشعور أم هو الفكر بما هو فكر مجر؟
- يمكن الإستئناس: تحليل سؤال إشكال مفتوح : هل التجربة قادرة على بناء معرفة علمية؟
حلل وناقش النص التالي
لكل واحد منا انطباع أكيد بأن الحاصل الكلي لتجربته الخاصة ولذاكرته يشكل وحدة متميزة تماما عن تلك التي لأي شخص آخر، وهو يسمي هذه الوحدة بـ «الأنا». ولكن ما «الأنا»؟ إذا قمنا بتحليل هذا المفهوم فإننا سنجد، على الأرجح، أنه يعني مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات. وبعملية استبطان أو تأمل ذاتي سنكتشف أن «الأنا» هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات وتجارب. لنتخيل أننا سافرنا إلى بلد بعيد وغبنا عن جميع أصدقائنا القدامى لدرجة نسيانهم، وأننا تمكنا، بالتالي، من التعرف على أصدقاء جدد وشاركناهم حياتهم بصخب أكبر مما كنا نفعله أولئك القدامى. إن الانغماس في الحياة الجديدة لن ينسينا، أبدا، حياتنا القديمة على الرغم من أنها أصبحت بالتدريج تفقد أهميتها بالنسبة لنا، فما زلنا نذكر الشاب الذي كناه سابقا ونتحدث عنه بضمير الغائب (…) ومع ذلك، فإن مجرى حياتنا لن يعرف انقطاعا ولا موتا. وحتى لو تمكن أحدهم من دفعنا إلى نسيان كافة الذكريات، فإنه لن يكون قد قتلنا أو أفقدنا وجودنا باعتبارنا أشخاصا ..
- Erwin Schrodinger ; Qu’est-ce que la la vie ?, 1944 , tr. L. Keffler, Paris, Points Seuil, 1993, pp. 207-208
يمكن الإستئناس: منهجية تحليل نص فلسفي (تحليل نص إيمانويل كانط حول قيمة الشخص)