تقديم وتأطير مفهوم المجتمع

  • المادة: مادة الفلسفة
  • المستوى: الأولى باكالوريا
  • المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان

المفهوم: مفهوم المجتمع

تقديم المفهوم

ذ. مراد الكديوى

كان ولا زال الإجتماع العلامة المميزة للكائن الإنساني. إذ ميز اليونان القدامى بين الإنسان/المواطن الذي يقطن المدينة وبين المتوحش (barbaros)  الذي يوجد خارج نظام المدينة، ولعل الفاصل بينهما هو انتماء الأول للمجتمع في حين أن الثاني يفتقد لمثل هذا الإجتماع. ومن تم أصبح الإجتماع الحد الفاصل بين المتوحش والإنسان. وبمعنى اخر إن إنسية الإنسان لا تتحقق إلا داخل المجتمع الذي يعطي لمجموع أفراده هذه الصفة.

إن المجتمع هو الأفق الذي تتحقق فيه الأبعاد الماهوية للوجود الإنساني. فالوعي والرغبة على حد سواء لا يظهران معا إلا في نسيج العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع. الشيئ الذي يجعل من المجتمع صورة من صور الماهية الإنسانية. وعموما فإن المجتمع في دلالاته المتعددة يحيل كما أشار “لالاند” إلى “مجموعة أفراد تقوم بينهم علاقات منظمة ومصالح أو خدمات متبادلة” أو هو  بالمعنى الخاص “مجموعة أفراد تكون روابطها متوطدة في المؤسسات، وفي الأغلب تكون مكفولة بوجود عقوبات تجعل الفرد يجعل بتأثير المجتمع واكراهه”

المجتمع إذن؛ هو الذي يخرج الإنسان من  القوة إلى الفعل أو من الطابع الفردي الذي يكون فيه منغلق على ذاته إلى البعد العلائقي الذي يرتبط فيه بمجموع الأفراد الأخرين لا من حيث هم فقط ذوات. بل من حيث المشترك بينهم من قيم ودين ومؤسسات، وبذلك يصير المجتمع تجمع يتخذ أحيانا صورة قيمية وتارة صورة دينية وتارة أخرى صورة قانونية مؤسساتية.

يعكس المجتمع بصوره المتعددة التفكير الفلسفي في المجتمع عبر مراحله التاريخية. فالمجتمع في الفلسفة اليونانية مفهوم أخلاقي أو رابطة أخلاقية يتحقق بموجبها الإجتماع الفاضل. ويبدو ذلك واضحا سواء مع أفلاطون حينما يجعل المجتمع محاكاة للخير بتحقيق الإنسجام والعدالة. أو مع ارسطو الذي يجعل غايته تحقيق سعادة الأفراد بفتح الدائرة الأخلاقية على الفعل السياسي. أما الفلسفة الوسطوية فجعلت من المجتمع مفهوما دينيا قائم على مفهوم الإستخلاف حيث يسعى الإنسان إلى التشبه بصورة الإله الفاضل. الشيئ الذي جعل من بلوغ الكمال وتحقيقه غاية هذا المجتمع. في حين أعطت الفلسفة الحديثة للمجتمع صورة قانونية قائمة على مفهوم الحق. بالشكل الذي يكون فيه المجتمع رابطة قانونية بين الأفراد تتأسس على التعاقد. ولعل هذا ما يعبر عنه “لالاند” بالقول: “المجتمع جمعية تعاقدية تنشأ بفعل إرادة فاهمة.”

ما يمكن أن نستشفه من هذه الصور المتعددة هو أن المجتمع لا يقال بمعنى واحد مما يعطيه طابعا فلسفيا يقتضي البحث في ماهيته وتحليل العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع فيه. من جهة وتحليل وظائفه من جهة أخرى. ويمكن توضيح هذه الإشكالات من خلال المحاور التالية:

  • المحور الأول: أساس الإجتماع البشري: والإشكال الجوهري فيه هو إشكال الماهية. اي أن السؤال فيه يرتبط ببحث ماهية المجتمع بين الطابع التعاقدي والطبيعي. وهو ما يمكن التعبير عنه بالصيغة التالية: ما المجتمع؟ وفيما تكمن طبيعته وأساسه. هل في المعطى الطبيعي أم التعاقدي؟
  • المحور الثاني: الفرد والمجتمع: ويتوجه فيه الإهتمام الفلسفي بتحليل العلاقة بين الفرد والمجتمع من حيث الأسبقية المنطقية. وعموما فإن إشكاله الرئيسي هو إشكال العلاقة بين التضمن والأسبقية المنطقية الذي نعبر عنه استفهاميا بالقول: ما طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع؟ ومن له الأسبقية المنطقية في الوجود. هل الفرد سابق على وجود المجتمع أم أن المجتمع سابق على وجود الأفراد؟
  • المحور الثالث: المجتمع والسلطة: وفيه نتساءل عن إشكال وظائف المجتمع بين ما هو تنظيمي وقانوني وبين ما هو سلطوي. ويمكن صياغة هذا الإشكال على هذا النحو: ما هي وظائف المجتمع؟ ألا يمكن الحديث عن وظيفة سلطوية للمجتمع على أفراده؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمارس المجتمع هذه السلطة على الأفراد؟

 

إغلاق