تعريف الفلسفة في سطور – هبا عبد الاله يونس الخشاب

 م.م :  هبا عبد الاله يونس الخشاب:  جامعة الموصل / كلية الآداب / قسم الفلسفة

      البدء بتعريف العلم خطوة أولى جرى عليها المؤلفون في العلوم المختلفة ولكن البحث في التعريف مهمة شاقة عسيرة أدعى أن تكون الخطوة الأخيرة من ان تكون الخطوة الأولى ، لأن الإنسان لا يصل الى تحديد موضوع دراسته وتعريفه تعريفا جامعا مانعا إلا بعد أن يكون قد ألم بمختلف ميادينه ، ولمس المشكلات التي يعالجها ، هذا فضلا عن أن التعريف الذي يقدمه المؤلف للعلم الذي يبحث فيه يظل دائما صيغة جوفاء بعيدة عن روح القارئ ولا يمتزج أبدا بكيانه ويظل العلم موضوع التعريف تبعا لذلك في نظر القارئ أو الطالب يمثل بناء من المعرفة لا صلة بينه وبين الحياة التي يحياها أو لا تلبث الفجوة بين هذا العلم والحياة في الاتساع ، ومن ثم تفشل جميع المحاولات التي يبذلها بعد ذلك لتضييقها وإذا كان هذا الكلام يصدق مرة على العلوم بوجه عام وعلى التعريفات التي يقدمها المؤلفون لها ، فإنه يصدق ألف مرة على الفلسفة ، فلو سأل شخص : ما هي الرياضيات ؟ فإننا نستطيع أن نعطيه تعريفا قاموسيا فنقول على سبيل المثال ، أنها علم العدد هذا التعريف لا يشكل في ذاته عبارة يمكن الاختلاف عليها ، وهو فضلا عن ذلك عبارة يسهل على السائل فهمها، حتى لو كان جاهلا بالرياضيات وعلى هذا النحو ذاته يمكن تقديم تعريفات لأي ميدان توجد فيه مجموعة محددة من المعلومات أما الفلسفة فيستحيل تعريفها على هذا النحو ذلك لأن أي تعريف لها يثير الجدل والخلاف ، وينطوي في ذاته على موقف معين من الفلسفة. وكيف لنا أن نحدد ماهية الفلسفة ؟  وما هو التحديد ؟ يعني التحديد بالأساس الوقوف على أميز مميزات الشيء الذي نريد تحديده فكل تحديد اذن لماهية الشيء يقود بالضرورة الى استكناه جوهر الشيء فماذا عن سؤال : ما الفلسفة ؟ هل أن السؤال بهذه الصيغة حسن الطرح أم أنه سيء الطرح ؟ لو تأملنا هيكلية السؤال والصيغة التي ورد عليها لتبين أنه سؤال سيئ الطرح فكيف ذلك ؟ لقد ورد السؤال معرفا ، فكأننا نعرف مسبقا ما الفلسفة من ناحية ونسعى الى تحديد ماهيتها من ناحية أخرى.

لقد لاحظ هيدجر ذلك عندما أكد : ” أننا عندما نسأل : ما هذا- الفلسفة-  ؟ فنحن نتكلم عن الفلسفة وتساؤلنا بهذه الطريقة يضعنا بشكل واضح في موقف عال على الفلسفة ، أي بمعزل فيها فنسلك وفق طريقتها أي أن نتفلسف “، ويقترح علينا هيدجر – كي نتمكن من ممارسة التفلسف – أن نعود الى أصل السؤال ، الى المرحلة اليونانية حيث ” الفيلوسوفيا” كانت مرتبطة بالمسألة الأنطلوجية ،  سؤال ” ما الفلسفة”  ؟  لا يعدو أن يكون تساؤلا حول الوجود  فيجب أولا ضرورة الانتقال من سؤال ” ما الفلسفة ” الى ممارسة التفلسف لكن هذا الانتقال يتحقق عنده بممارسة النقد ، فإذا كان السؤال هو سلاح الفلسفة فبداية التفلسف تكون من نقد السلاح .

ومن المعروف أن المعنى المعطى لكلمة الفلسفة تشتمل على مجموعة المعارف ثم إن العلوم شيئا فشيئا استقلت عنها وأنشأت منظومات مستقلة ووضعية فديكارت مثلا يحسب أن الفيزياء و الميكانيك، والطب، أجزاء من الفلسفة مما لا يحسبه أحد كذلك اليوم ولكننا ما زلنا نتساءل لمعرفة ما اذا كانت السيكولوجيا و السوسيولوجيا  منظومات فلسفية أو أنها تؤلف حقا ما يسمونه بالعلوم الانسانية ؟ وأنى للإنسان في مثل هذا الأمر أن يقود فكره اذا هو لم يملك للفلسفة تعريفا مسبقا ودقيقا؟ ومع ذلك ، فما من شيء أخطر من أن ننشىء منذ البداية مثل هذا التعريف الذي يستند اليه في حسم هذه المسائل حسما نهائيا ، وما من تعريف من هذا النوع ، اذا نظر اليه ، بالمعنى الدقيق حقا ، يمكن أن يقبل كله لدى أولئك الذين يجب علينا ، موقتا ، أن نسميهم فلاسفة.  وهكذا فإن تعريف الفلسفة كجهد يهدف الى التركيب الكلي لن يقبل موافقة أمثال هيوم وذاك التعريف الذي يرى في الفلسفة محاولة لمعرفة الروح (العقل) لن يقبله أمثال سبينوزا ويرى لوسين أن الفلسفة هي وصف التجربة وهذا قول يغلب على الظن أن كانط يرفضه ويصرح ميرلو – بونتي  أن الفيلسوف يمكن تعرفه بحكم امتلاكه تذوق البداهة ومعنى الالتباس ، في آن واحد .

وكان ديكارت يملك تذوق البداهة ولكن هل كان يملك حس الالتباس ؟ وكان لوكاتش يحب رد الفلسفات الى مجرد رؤى للعالم ويؤكد شاتليه نقص هذا المفهوم ويعرف الفلسفة كمشروع لخطاب ، كله مبرر، ولكن الذي يخلص اليه من هذا ، هو اخفاق محاولته ، وما من فيلسوف في الواقع يمكنه الإدعاء بأنه نجح في البرهان على سلامة خطابه ؟ وفضلا عن ذلك يمكن التساؤل : اليس من شأن هذا التعريف أن يترك وراءه كل ما هو تجربة أنطولوجية حقا؟ ومن العبث أن نكثر من الأمثلة فما من تعريف سليم كل السلامة للفلسفة يحق له منذ البداية أن يوقف عنده أو عليه أو لا يترك هذا التعريف بعيدا عنه ، كل ما هو من الأمر أنطو لوجي حقا ؟ ولن يجدي علينا شيئا أن نكثر من هذه الأمثلة فما من تعريف دقيق للفلسفة في وسعه منذ البداية أن يؤخذ به.

ولذا نجد  صعوبة وضع تعريف للفلسفة ولأن الفلسفة هي عملية أو نشاط أكثر من كونها موضوعا أو بناء للمعرفة وتعريف النشاط أصعب دائما من تعريف الكيان أو الشيء المحدد المعالم ويحاول البعض أحيانا تجنب هذه الصعوبة بالقول انه لا يوجد شيء اسمه الفلسفة ، بل يوجد فقط تفلسف وهو النشاط العقلي الواعي الذي يحاول به الناس كشف طبيعة الفكر وطبيعة الواقع ومعنى التجربة الإنسانية وقد يذهب أناس آخرون الى القول بأنه لا توجد على أحسن الفروض إلا فلسفات أي طرق متعددة للنظر الى العالم يصوغها مفكرون يعيشون في مدنيات كثيرة مختلفة هذه الفلسفات تتباين وكثيرا ما تتناقض ومن ثم كان من الممتنع أن ننظر الى الفلسفة على أنها ميدان أو بناء موحد للمعرفة وفضلا عن ذلك فلا مفر لكل مدرسة وكل مفكر فرد من تعريف الموضوع بطريقة مختلفة فيؤدي هذا التعريف ذاته الى إغفال الكثير مما يود ممثل المدرسة المضادة أن يعمل له حسابا ، وإذا ما انحزنا مؤقتا الى صف أولئك الذين يفصلون النظر الى الفلسفة بوصفها نشاطا عقليا ، لكانت مشكلتنا هي أن نقرر ما الذي يفعله كل هؤلاء المفكرين المتعددين والمتعارضين أحيانا ، عندما يتفلسفون فما هو العنصر المشترك بين عملياتهم العقلية ؟ أي باختصار ، ما الذى يميز التفكير الفلسفي عن الأنواع الأخرى للتفكير ؟ وما الذي يفعله الفيلسوف ويختلف فيه عما يفعله العالم أو رجل الدين ، وربما الفنان ذاته ؟ وما هي أوجه نشاطه العقلي الفريدة والمميزة له ؟  ان الناس لا يتفقون على شيء قدر اتفاقهم على الشك في الفلسفة وقيمتها وجدواها فالفيلسوف عندهم رجل سفسطائي ثرثار أو ملازم لبرجه العاجي بعيدا عن الواقع العملي الملموس واذا أحسنوا به الظن فهو متخصص في المجرد والعام بالأحرى مصاب بالتجريد والتعميم باحث عن الكل والوحدة والمعنى حيث لا  ظل لها ولا أثر ، متجه ببصره وبصيرته الى فوق وما وراء وما في الباطن والأعماق حيث لا توجد إلا المدركات الظاهرة والأشياء الكثيرة والموجودات الحسية المتعددة والواقع أن أصحاب العقلية غير الفلسفية كانوا منذ أقدم العصور يتخذون موقفا عجيبا وغير متسق من الفلسفة بوجه عام فهم من جهة يميلون الى التعامل مع الفلاسفة بتسامح مشوب بالرقة والعطف بوصفهم حمقى لا ضرر منهم وأناسا ذوي أطوار غريبة يسيرون وقد ارتفعت رؤوسهم  في السحاب ويطرحون أسئلة سخيفة لا صلة لها بالهموم الحقيقية للناس ولا يكترثون بالأمور التي ينبغي أن يهتم بها المواطنون العقلاء غير أن التفكير  الفلسفي يمكن أن يكون له من جهة تأثير يزعزع بعمق كل ما  هو سائد من أعراف وتقاليد وفي هذه الحالة ينظر الى الفيلسوف بعين الشك على أنه شخص خارج عن العرف المألوف ، يعكر صفو التقاليد والأعراف ،  ولا يبدي موافقة غير مشروطة على العادات والآراء التي تبدو صالحة في نظر سواه من الناس ذلك لأن أولئك الذين لم يعتادوا النقد يشعرون بانعدام الأمان عندما يناقش أحد معتقداتهم التي يعتزون بها ، ويكون رد فعلهم مصحوبا بالكراهية والعداء ،  وبعبارة موجزة يمكننا القول ان الفلسفة ليست كما جهلها البعض باعتقادهم انها شيء تافه وأنها مجرد محاولة للتشكيك في القوانين والثوابت وإنها ليست  سوى محاولة للهرطقة والزندقة ، أو انها سببا لصداع البعض بل تتعدها الى أكثر من ذلك بقولهم أنها كفر ومخالفة للدين وتشويه للعقل في التنور والخروج عن القيود ، بل هي بحث عن الحقيقة في كل ما يرتبط بالإنسان والكون والوجود ،  شكل من أشكال الوعي الإنساني وعلاقة الفكر بالوجود وممارسة الحكمة على المستوى الفردي والمجتمعي بدأ من الآن.

المصادر: 

1)  حسين علي ، ما هي الفلسفة .

2)  فرينالد آلكييه،   معنى الفلسفة .

3)  سليم دولة ، ما الفلسفة .

إغلاق