المحور الثالث: الرغبة والسعادة
المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان
المفهوم: مفهوم الرغبة
المحور الثالث: الرغبة والسعادة
- تعريف مفهوم الرغبة ومفهوم السعادة
- الإشكال الفلسفي المرتبط بطبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة
- مواقف وتصورات فلسفية عالجت موضوع الرغبة والسعادة
تعريف مفهوم الرغبة ومفهوم السعادة
تعريف الرغبة:
تعني الرغبة ذلك النزوع التلقائي نحو غاية معلومة أو متخيلة (معجم صليبا الفلسفي). وفي معجم روبير نجد التعريف التالي للرغبة: الميل إلى تحصيل شيء ما بغية تحقيق اللذة.
تعريف السعادة:
تعني السعادة حسب موسوعة لالاند الفلسفية “حالة من الرضى التام تستأثر بمجامع الوعي، وأنها إرضاء لكل الميول وإشباعها سواء بالتوسع أي الكثرة أو بالأمد أي الديمومة”. إذن فالسعادة تختلف عن اللذة وأيضا عن الفرح، لأن اللذة تتميز باللحظة، ولأن الفرح يتميز بالحركية.
الإشكال الفلسفي المرتبط طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة.
إن اقتران الرغبة بالغرائز والميولات، يدفع إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة بينهما وبين السعادة. فما طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة؟ هل تحقيق وإشباع الرغبات سبيل لتحصيل السعادة أم أن تحصيل السعادة رهين بكبح الرغبات؟
مواقف وتصورات فلسفية عالجت موضوع الرغبة والسعادة
اختلفت التصورات والواقف الفلسفية بخصوص طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة، فقد أكد البعض أن السعادة تقتضي كبح ولجم الرغبات، بينما أكد البعض الآخر إرضاء الرغبات ليس سبيلا للشقاء، بل هو أساس تحصيل السعادة، خاصة إن كان إشباع الرغبات محصنا بما هو أخلاقي. وسنقف هنا عند موقف سينيكا وموقف ابن مسكويه وموقف اسبينوزا وموقف أبيقور.
سينيكا: السعادة تقتضي التحرر من الرغبات
يرى الفيلسوف والخطيب الروماني، أن الإنسان السعيد هو الإنسان المدرك للحقيقة والمتحرر من سيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. ومعنى ذلك أن السعادة رهينة بإدراك الإنسان للحقيقة، وبتحرره من سلطة وسيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. إن السعادة وفق تصور سينيكا ترتبط بالعقل والحقيقة والحكم السليم، ومن ثمة فهو ينفي أن ترتبط السعادة بإشباع رغبات الجسد وشهواته. وفي هذا السياق يقيم سينيكا تمييزا بين الإنسان والحيوان، فإذا كان الحيوان لا يستطيع التحرر من سلطة الرغبات، وإذا كان غير عاقل وغير مدرك للحقيقة، فالإنسان متميز عليه بكل ذلك، ولذلك يستطيع تحصيل السعادة.
يقول سينيكا“ فنكونَ سُعداء إذا قبلنا بحاضرِنَا مهما كان وإذا أحببَنَا ما نحن عليه؛ ونكونَ سُعداء أخيرًا عندما نترك للعَقلِ مُهمّةً تدبيرِ جميع ما يتعلّقُ بوجودِنَا”.
ابن مسكويه: كمال النفس في لجمها، وفي الامتناع عن اللذات الحسية
يرى المفكر العربي المسلم أن الإنسان السوي هو الذي يتعالى عن الرغبات والشهوات والملذات الحسية. ويظهر ذلك في كتابه “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ففي هذا الكتاب ينتقد ابن مسكويه العامة من الناس، ذلك أنهم الذين يجعلون من اللذات البدنية غاية الغايات وأساس تحقيق السعادة، وبشبههم بالخنازير والخنافس والديدان وخسائس الحيوانات.
إذن فابن مسكويه يرى أن طريقة السعادة، وطريق الكمال، ليس هو طريق الملذات والشهوات والرغبات، بل هو الامتناع عنها ولجمها.
باروخ اسبينوزا: السعادة تعقل للرغبات
يرى الفيلسوف الهولندي أن الرغبة تشكل ماهية الإنسانية. وقد أكد اسبينوزا أن السعادة تتحصل عبر تعقل الرغبات، وذلك من خلال فهمها ومعرفة حقيقتها وعللها ودوافعها. يقول اسبينوزا “إن لكل إنسان القدرة على فهم نفسه وعواطفه بوضوح وتمييز… وبالتالي فهو يعمل على التقليل من انفعاله بهذه العواطف”..
أبيقور: اللذة بداية الحياة السعيدة ومنتهاها
أكد أبيقور أن اللذة هي بداية الحياة السعيدة ومنتهاها، وهذا القول تأكيد أن إرضاء الجسد ورغباته ليس سبيلا للشقاء والتعاسة كما ذهب مجموعة من الفلاسفة، وإنما هو أساس الحياة السعيدة، لكن هذا لا يعني أن الأبيقورية تبيح التلذذ والمتعة بشكل لا أخلاقي، بل تؤكد على ضرورة عدم السقوط في الشهوة الحسية والمبتذلة، وعلى ضرورة السلوك وفق الفضيلة ووفق منطق الخير. وارتباطا بالموضوع يقول أبيقور: “إننا لا نبحث عن أية لذة كانت، بل نحن نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج…” ومضمون هذا القول أن اللذة وإن كانت أساس الحياة السعيدة، فإن هناك بعض اللذات التي يجب تجنبها والتنازل عنها.
خلاصة تركيبية
خلاصة القول، أن طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة علاقة متعددة الأوجه، فالرغبة قد تكون أساس تحقيق السعادة، خاصة إذا استطاع الإنسان تحصينها ببعد أخلاقي. لكن إشباع الرغبات قد يكون سبيلا للشقاء والتعاسة، وخاصة إذا كان هذا الإشباع على حساب القيم والأخلاقية.