المحور الأول: الرأي والحقيقة
موضوع الدرس
|
الثانية بكالوريا جميع الشعب والمسالك |
|
مجزوءة المعرفة |
|
مفهوم الحقيقة |
|
محور الرأي والحقيقة |
محاور الدرس:
- تقديم بخصوص قضية الحقيقة
- أولا: الراي والحقيقة
- في دلالة مفهومي الراي والحقيقة
- الموقف الأول: الراي القائم على الإحتمال يستحق اسم معرفة
- الموقف الثاني: الرأي عائق إبستمولوجي
- خلاصة تركيبية
المحور الثاني: الرأي والحقيقة
تعريف الرأي والحقيقة
مفهوم الرأي:
الرأي “حالة ذهنية تتمثل في الإعتقاد بصحة قول معين، مع القبول بإمكان الخطأ أثناء حكمنا هذا.” إذن فالرأي جاهز، ومعطى وليس مبنيا.
مفهوم الحقيقة:
“في التعريف الفلسفي التقليدي تعني الحقيقة مطابقة الفكر لذاته أو للواقع أو لهما معا “
الإشكال الفلسفي المرتبط بطبيعة العلاقة بين الراي والحقيقة:
ما علاقة الرأي بالحقيقة؟ هل هي علاقة تلازم أم علاقة تعارض؟ وهل يمكن اعتماد الرأي في بناء الحقيقة؟ وهل الحقيقة معطاة أم مبناة؟
مواقف وتصورات فلسفية عالجت موضوع الرأي والحقيقة
اختلفت التصورات والواقف الفلسفية بخصوص طبيعة العلاقة بين الرأي والحقيقة، فقد أكد البعض أن الرأي القائم على الاحتمال يستحق اسم معرفة، بينما أكد البعض الآخر أن العلاقة بين الرأي والحقيقة علاقة انفصال وقطيعة وليست علاقة اتصال وتأسيس.
وسنقف هنا عند موقف غوتفريد لايبنز وموقف ابنغاستون باشلار وموقف باسكال.
لايبنتس: الرأي القائم على الاحتمال يستحق اسم معرفة
غوتفريد لايبنـز ، هو فيلسوف وعالم ألماني ( 1646-1716)، من مؤلفاته: “أبحاث جديدة في الفهم الإنساني”.
يؤكد الفيلسوف الألماني لايبنز، في كتابه “أبحاث جديدة في الفهم البشري”، على أن الرأي القائم على الإحتمال يستحق اسم معرفة. ويقصد بالراي القائم على الإحتمال، الراي الذي يتضمن قدرا من المعقولية والصواب، أي الرأي الذي يكون احتمال صوابه أكثر من احتمال خطأه. ويقدم لايبنز مثالا لمعرفة تتأسس بشكل أساسي على الإحتمال، وهي المعرفة التاريخية، ويرى بأنه إذا تم استبعاد الرأي القائم على الإحتمال فسيؤدي إلى إسقاط هذه المعرفة، فهذه المعرفة لا تقوم على الإطلاق والقطعية بل على العكس من ذلك فهي تقوم على الإحتمال والنسبية. زيادة على ذلك يقدم مثالا لرأي علمي أثبِت صدقه، وهو رأي كوبرنيك القائل بمركزية الشمس. فقد كان وحيدا في رأيه، إلا أن رأيه كان أكثر احتمالا بشكر لا يقبل المقارنة مع رأي باقي النوع البشري، وهو الآن يعتبر من بين الحقائق العلمية التي لا يمكن تكذيبها.
أهمية الموقف: لا يمكن أن ننفي ما لموقف لايبنز من أهمية، وبه ما للرأي من أهمية، لا سواء في مجال العلوم الإنسانية، ولا سواء في مجال العلوم الطبيعية. فالتاريخ كعلم إنساني يتأسس على الرأي القائم على الإحتمال حقا، وأيضا في العلوم الطبيعية فالرأي يمكن أن يكون طريقا لبوغ الحقيقة إذا كان رأيا يحتمل صدقه.
لكن ألا يمكن أن يكون الرأي عائقا ابستمولوجيا أمام محاولة بناء الحقيقة؟
غاستون باشلار: الرأي عائق ابستمولوجي
يرى غاستون باشلار في “كتابه تكون الفكر العلمي” أن الرأي عائق يحول دون بناء معرفة علمية حقيقية، ولذلك وجب القطع مع الرأي، لأن الرأي حسب باشلار نوع من التفكير السيء، بل أكثر من ذلك فهو ليس بتفكير على الإطلاق. زد على ذلك أنه لا يقوم إلا بترجمة الحاجات إلى معارف من خلال تعيينه للأشياء وفق منفعتها، ومن ثم فالرأي يحرم نفسه من معرفتها حق المعرفة، لذلك يقول باشلار: “إننا لا نستطيع أ ن نؤسس أي شيء كيفما كان انطلاقا من الرأي، ولذلك يجب القضاء عليه أولا ، إن التفكير العلمي يمنعنا من تكوين رأي بخصوص مسائل لا نفهمها، أي بخصوص مسائل لا نعرف كيفية صياغتها بشكل واضح…”. وبالتالي فالرأي الشخصي حسب باشلار لا يتأسس على الحجاج الاستدلالي، والتماسك المنطقي ، والمعرفة الحقة ، والاستنتاج المتماسك نظريا وتطبيقيا، وأنما يقوم على الآراء الذاتية الشخصية النابعة من الوجدان والعاطفة، والمرتبطة بالمنافع البشرية والمصالح الإيديولوجية. بذلك لابد من القضاء على الرأي لغاية تأسيس معرفة علمية موضوعية ويقينية.
قيمة الموقف: لا يمكن أن ننكر ما لموقف من باشلار من أهمية، فهو أولا موقف تعرض لقضية ابستمولوجية بامتياز وهي قضية الحقيقة وخاصة الحقيقة العلمية، وتناولها من زاوية علاقتها بالراي. وثانيا قام بتبيان عيوب ونواقص الرأي من حيث أنه يتأسس على المنفعة، والمنفعة يمكن أن تحيد بنا عن الحقيقة، وهنا يمكن أن نقدم مثالا لرأي تأسس على أساس نفعي وإيديولوجيي، وحاد به وبأصحابه عن منطق الحقيقية والعلمية وهو رأي الكنيسة في القرون الوسطى بخصوص مركزية الأرض، فقد كانت الكنيسة تقول بثبات الأرض ومركزيتها، لغاية واحدة، وهي أن لا تتناقض مع ما جاء في الكتاب المقدس، وأن لا تفقد شرعيتها أمام جمهور المؤمنين بمعتقداتها، وهو رأي أثبت خطأه فيما بعد.
إحراج: رغم كل ذلك، ألا يمكن القول بأن إبعاد الرأي قد يؤدي إلى قتل المعرفة القائمة على الاحتمال كالمعرفة التاريخية؟ ويؤدي إلى تقييد الحقيقة؟ وألا يمكن أن يكون الرأي سبيلا إلى البناء النقدي للحقيقة؟
موقف بليز باسكال:
يتلخص بليز باسكال في أن إدراك الحقيقة يتم من خلال العقل والقلب ما وليس من خلال العقل فقط، لأن العقل لا يساعد إلا على إدراك القضايا، أما المبدائ الأولى كالمكان والزمان، فهي مرتبطة بالإدراك القلبي، فنحن نشعر بها ولو لم نكن قادرين على البرهنة عليها.
خلاصة تركيبية
إن ما يمكن أن نخلص إليه بخصوص إشكال علاقة الرأي بالحقيقة، وإمكان اعتماد الرأي في بناء الحقيقة، هو أن الرأي يمكن أن يكون طريقا للحقيقة حين يكون الراي قائما على الإحتمال، وحين يكون احتمال صوابه أكثر من احتمال خطأه. إلا أن الرأي ليس دائما اساسا وطريقا للحقيقة، فالراي قد يتأسس على المنفعة والمصلحة والذاتية، ما يجعله يقف كعائق إبستمولوجي أمام الحقيقية والمعرفة، وخاصة المعرفة العلمية التي يأخذ الموضوعية كركيزة من ركائزها. كل هذا يجعل من قضية الحقيقة قضية إشكالية، فهي تفتحنا على إشكال آخر وهو المتعلق بمعاييرها. فما معايير الحقيقة؟