الشخص بين الضرورة والحرية (مفهوم الشخص)

موضوع الدرس

  • الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا – جميع المسالك والشعب
  • المجزوءة: مجزوءة الوضع البشري 
  • المفهوم: مفهوم الشخص الشخص
  • المحور الثالث: محور الشخص بين الضرورة والحرية

محاور الدرس:

  1. التأطير الإشكالي:
  2. موقف باروخ اسبينوزا من حرية الشخص
  3. موقف سيغموند فرويد من حرية الشخص
  4. موقف جون بول سارتر من حرية الشخص
  5. استنتاج عام

التأطير الإشكالي للمحور

إذا كانت الحرية تشير إلى حالة الكائن الذي لا يعان إكراها، أي إلى قدرة الشخص على الفعل أو الامتناع عنه، بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره، وإذا كانت  الضرورة هي نقيض الحرية، بحيث تحمل معنى الجبرية والحتمية، وإذا كان الشخص متميزا عن باقي الكائنات الأخرى بالوعي، فهل الشخص ذات حرة ومريدة أم أنه خاضع للضرورة؟ وإذا كان الشخص حرا، فهل هو حر حرية مطلقة أم نسبية؟ وإذا كان الشخص خاضعا للضرورة فما الضرورات التي تحكمه وتحد من حريته؟

مواقف وتصورات فلسفية حول إشكال الشخص بين الحرية والضرورة

تصور باروخ اسبينوزا: الحرية جهل بالأسباب.

يتبنى الفيلسوف الهولندي صاحب مؤلف رسالة في اللاهوت والسياسة أطروحة مفادها أنه لا وجود لحرية إنسانية تجعل من الشخص كائنا أسمى من الطبيعة. وما شعورنا بالحرية إلا وهم ناشئ عن تخيلنا بأننا أحرار، وعن جهلنا بالأسباب  الحقيقة التي تسيرنا. ولتأكيد أطروحته اعتمد باروخ اسبينوزا مجموعة من الآليات الحجاجية، من بينها حجة التمثيل، حيث  شبه  الإنسان بالحجر الساقط، هذا الحجر يتحرك بفعل سبب أو قوة خارجية “وحين يتوقف الفعل الناتج عن السبب الخارجي، فإن قطعة الحجر ستواصل تحركها بالضرورة، واستمرارها في الحركة أمر مفروض من الخارج..” فلو كان لقطع الحجر تلك الوعي لظنت أنها حرة في حركتها وأن هذه الحركة نابعة من مجهودها الذاتي وليس بفعل قوة خارجية. ليصل اسبينوزا إلى أن تلك هي الحرية التي يتبجح بها الإنسان، لكنها تقوم فقط على واقعة أن للناس وعي بشهواتهم، لكنهم يجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا. إضافة إلى ذلك اعتمد اسبينوزا مجموعة الأمثلة من حياة الناس، كمثال الطفل الذي يعتقد انه يشتهي الحليب بحرية وإرادة، بينما لا يشتهيه إلى بدافع غريزة الجوع. ومثال الشاب الحانق الذي يرغب في الانتقام من عدو له والجبان الذي يلوذ بالفرار من خطر يهدد حياته، فهما يعتقدان أنهما يقومان بذلك بمحض إرادتهما، ما يشعرهما بأنهما أحرار، لكن الأمر عكس ذلك، فالانتقام والهرب من الخطر، هو في واقع الأمر استجابة لدافع خارج إرادة الشخص، ولا مجال للحديث هنا عن حرية ذاتية بعيدة عن كل إكراه كيفما كان مصدره.

تصور سيغموند فرويد: الطفل أب الرجل.

معاينة النص

نفس الطرح الذي أكد عليه الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا ، المؤكد لخضوع الشخص للضرورة، نفس الطرح ذهب إليه متزعم مدرسة التحليل النفسي، الطبيب والمحلل النفسي النمساوي سيغموند فرويد، الذي ذهب إلى الإقرار بان الأنا مضطر لخدمة العالم الخارجي والأنا الأعلى والهو. ويدل الهو  على الغرائز الفطرية،  والأنا الأعلى على مجمل القواعد والمعايير والقيم الأخلاقية، والعالم الخارجي على المجتمع. إذ يؤكد فرويد على أن الأنا لا يقوم إلا بمحاولة التوفيق بين رغبة كل هؤلاء، أي محاولة إرضاء الهو وفي نفس الوقت الأنا الأعلى والعالم الخارجي.

إضافة إلى ذلك ذهب فرويد إلى الإقرار  بخضوع الشخصية في بنائها لحتمية اللاشعور خضوعا مطلقا، ولا مجال للحديث لدى الشخص عن وعي أو إرادة حرة، وكل سلوك يصدر عنه، لا يعدو أن يكون مجرد استجابة ميكانيكية لدوافع لا شعورية. “إن الأنا لا يعتبر سيد نفسه ولو في عقر منزله الخاص



تصور جون بول سارتر: ماهية الإنسان هي الحرية / الإنسان مشروع.

الإطلاع على النص

إذا كان اسبينوزا وفرويد قد ذهبا إلى الشخص خاضعا للضرورة، سواء كانت تلك الضرورة طبيعية أو اجتماعية أو سيكولوجية، إن الفيلسوف الوجودي المعاصر الفرنسي جون بول سارتر يذهب إلى أن الإنسان حر. وينطلق في موقفه هذا من مبدأ وهو الإقرار بأن الوجود يسبق الماهية، بمعنى أن الإنسان يولد أولا ويلاقي ذاته ويبرز إلى العالم، ثم يحدد بعد ذلك ما سيكون. إن الإنسان حسب سارتر غير قابل للتعريف عندما يكون لا شيء، وسيكون ما سيصنعه بنفسه فيما بعد. إن الإنسان في نظر سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانيته. إن سارتر بهذا الموقف يكون قد انتقد كل دعاة الجبرية.

استنتاج عام للمحور

إذن، لا يمكن الحسم إن كان الشخص حرا أم خاضعا للضرورة، فهاهو اسبينوزا وفرويد ينفيان حرية الشخص ويؤكدان على خضوعه للضرورة، وهاهو جون بول سارتر يؤكد العكس. وبالتالي نخلص إلى أن من الصعب الإجابة بصفة قطعية على إن كان الشخص حرا أم مجبرا، إلا أنه يمكن أن نقول بأن الشخص لا يمكنه تجاوز المحددات البيولوجية والاجتماعية بشكل كلي، إلا أنه يظل قادرا على التصرف بحرية من حيث قدرته على الاختيار بين الإمكانيات والبدائل. وهذا ما أكده ابن رشد حين قال بأن الحرية لا يمكن فصلها عن الحتمية، فالإنسان له قدرة وإرادة يستطيع بهما فعل الخير والشر وباقي البدائل الأخرى، ولكنه في نفس الوقت محكوم بضرورات مثل قوانين الطبيعة، وقوى الجسد المخلوقان من طرف الله.

دروس أخرى في مفهوم الشخص:

إغلاق