الرغبة والإرادة
المحور الثاني: الرغبة والإرادة : تعبر الرغبة عن ذلك النزوع والميل التلقائي والواع نحور غاية معروفة أو متخيلة، وهذا القول يجعل من الرغبة رغبة أساسها الوعي والإرادة، إلا أن اهناك رغبات لاواعية ولاشعورية، تخرج عن نطاق الوعي والإٍرادة، وهذا المعطى هو ما يدفعنا إلى مساءلة الرغبة والبحث في حقيقتها وعن علاقتها بالإرادة، وإن كانت الرغبة الإنسانية نابعة من إرادته أم أنها تبقى خارج نطاق إرادته.
فما الرغبة وما الإرادة؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بينهما؟ هل ترتبط الرغبة بالإرادة وتنتج عنها أم أنها تبقى خارج نطاق الإرادة؟
تعريف الرغبة والإرادة.
مفهوم الرغبة:
تعرف الرغبة باعتبارها “نزوع تلقائي وواع إلى غاية معروفة أو متخيلة”.
مفهوم الإرادة:
تعني الإرادة “التصميم الواع على أداء فعل معيّن”
موقف باروخ اسبينوزا: الرغبة شهوة واعية
تعريف باروخ اسبينوزا
باروخ اسبينوزا فيلسوف هولندي، من فلاسفة الحقبة الحديثة من تاريخ الفلسفة. ويصنف اسبينوزا ضمن الفلاسفة العقلانيين، وقد شملت فلسفته مجموعة من القضايا من بينها: الأخلاق، السياسة، الطبيعة البشرية، الدين…
بعض مؤلفات باروخ اسبينوزا
- علم الأخلاق
- رسالة في اللاهوت والسياسة
- رسالة في السياسة
موقف الفيلسوف
بخصوص إشكال العلاقة بين الرغبة والإرادة، يؤكد باروخ اسبينوزا أن “الرغبة شهوة واعية بذاتها، وهي تمثل ماهية الإنسان”. ويتضح من خلال هذ القول وهذا التعريف للرغبة، أن سبينوزا يجعل من الرغبة شهوة أساسها الوعي. إضافة إلى ذلك، فاسبينوزا يجعل من الإرادة أساسا للرغبة الإنسانية، وهو ما يتجلى في قوله: “الرغبة هي كل المجهودات والاندفاعات والشهوات والأفعال الإرادية لدى الإنسان”. ويتضح من خلال هذا التعريف، أن الرغبة تعبر عن ما تقوم به الذات، من مجهودات وأفعال، وأن ما يميز تلك الأفعال هو أنها أفعال إرادية.
وهكذا يتبين لنا أن اسبينوزا لا يتبنى الموقف القائل بأن الرغبة تعبير عن النقص والحرمان، ولا يتبنى الموقف القائل بأن الرغبة هي رغبة لاواعية ولاإرادية.
مناقشة موقف باروخ اسبينوزا
أهمية الموقف.
تتجلى أهمية الموقف في توضيحه لطبيعة الرغبة وماهيتها، وهو كشف لحقيقة الإنسان وجوهره، كما تتجلى أهميته في كشفه لطبيعة العلاقة بين الرغبة وكل من الشهوة والإرادة. كما تتجلى أهميته في نقده للتصورات التي حصرت الرغبة فيما هو غريزي، وكذا التصورات التي تنظر للرغبة باعتبارها نقص وحاجة وحرمان.
حدود الموقف:
بخصوص حدود موقف باروخ اسبينوزا فيمكن كشفها بالعودة إلى علم النفس، وبشكل خاص مجال التحليل النفسي. حيث نجد أن هذا الأخير يؤكد على وجود رغبات نفسية لا شعورية تتجاوز وعي الإنسان وإرادته. ولتوضيح ذلك يمكن الانفتاح على موقف سيغموند فرويد الذي يؤكد أن اللاشعور هو أساس الحياة النفسية للفرد، وعلى موقف ميلاني كلاين الذي يؤكد أن الإنسان محكوم برغبات نفسية لا شعورية تعود في أصلها إلى العلاقة الأولية بينه وبين ثدي أمه. كما يمكن الانفتاح على موقف جاك لاكان.
موقف جاك لاكان: الرغبة واللاشعور
يرى الطبيب والمحلل النفساني الفرنسي جاك لاكان أن وجود الرغبة مرتبط بوجود اللاشعور حيث لا سلطة للذات على ذاتها. فالرغبة لا تقوم إلا برفع درجة اللذة لكن خارج منطقة الوعي والإرادة، كما أن الرغبة ما هي إلا استمتاع للجسد الموشوم بالتوترات والضغوطات الجنسية الدفينة والمنسية.
خلاصة تركيبية للمحور
يتضح من خلال ما سبق أن مفهوم الرغبة قد دفعنا إلى خوض نقاش فلسفي ذو أبعاد نفسية واجتماعية وعلمية… وقد تمخض عن هذا النقاش مجموعة من الأطروحة والمواقف، منها من يؤكد على كون الرغبة رغبة واعية أساسها الإرادة بحكم أن الإنسان كائن واع بطبعه، ومنها من يؤكد أن الرغبة تبقى خارج نطاق الوعي والإرادة، لأن الإنسان محكوم بنوازع لاشعورية ترتبط بما هو دفين ومكتبوت…
وسواء قلنا بأن الرغبة هي رغبة واعية و إرادية أم قلنا عكس ذلك، فالسؤال الذي يجب طرحه هو طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة، فما طبيعة العلاقة القائمة بينهما؟
شاهد أيضا