“الخير والشر عند ابن خلدون” محمد الورداشي
محمد الورداشي كاتب وباحث مغربي له مجموعتان قصصيتان: “حينما يتنكر الوطن لبنيه” (المغرب)، “القرية المهجورة ” (مصر). ومجموعة من المقالات نشرت في جرائد ورقية وإلكترونية داخل المغرب وخارجه.
عد ابن خلدون قيمتي الخير والشر طارئتين على النفس البشرية؛ لأنها، وبفطرتها الأولى، تكون مستعدة لكل ما ينطبع فيها من خير أو شر، وذلك لكون” صاحب الخير إذا سبقت إلى نفسه عوائد الخير وحصلت لها ملكته بَعُدَ عن الشر وصعب عليه طريقه، وكذا صاحب الشر إذا سبقت إليه أيضا عوائده” (ص140). ومن هذا المنطلق فاضل بين أهل البدو والحضر من حيث الخير والشر، فأكد أن البدو قريبون إلى الخير؛ لأنهم “وإن كانوا مقبلين على الدنيا مثلهم إلا أنه في المقدار الضروري في الترف ولا في شيء من أسباب الشهوات واللذات ودواعيها” (ص140). أما أهل الحضر، فإن سبب كثرة الشرور في أنفسهم حسب ابن خلدون هو انغماسهم في ترف الحضارة ونعيم الدنيا وملذاتها، وذلك” لكثرة ما يعانون من فنون الملاذ وعوائد الترف والإقبال على الدنيا والعكوف على شهواتهم منها، وقد تلونت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق والشر وبعدت عليهم طرق الخير ومسالكه” (ص140). ومنه فإن المعيار الذي اعتمده ابن خلدون في المفاضلة هو الانتقال من البداوة إلى الحضارة؛ لأن هذه الأخيرة حسب ابن خلدون هي “نهاية العمران وخروجه إلى الفساد ونهاية الشر والبعد عن الخير” (140)، كما أنها تدفع النفس إلى التلون “بألوان كثيرة لا يستقيم حالها معها في دينها ودنياها…إلخ (ص400). وبالتالي فإن نهاية العمران ستكون نهاية للشر، والعمران ينتهي لما ينتقل إلى طور الحضارة، فإذن، هذه الأخيرة هي مركز الشرور لدى ابن خلدون؛ لأنها تفسد العمران البشري الذي هو غاية الاجتماع، ومن ثم أخلاق المشكلين لهذا العمران إن هم دخلوا طور الحضارة. كما أن حضور عامل البيئة هنا، يمثل دورا كبيرا في تشكيل أخلاق النشء. وبهذا الاعتبار، يمكن التساؤل عن أصل الشر والخير لدى ابن خلدون؟ هل مصدرهما الفطرة أم الاكتساب؟
إذا انطلقنا مما أوردناه أعلاه، فإننا سنجد أن الشر والخير مكتسبان في النفس الإنسانية؛ لأن فطرتها مؤهلة لاستقبال أي منهما، لكن إلام تميل النفس البشرية؟
تميل نفس الإنسان، حسب ابن خلدون، “إلى خلال الخير من خلال الشر بأصل فطرته (أي الإنسان) وقوته الناطقة العاقلة لأن الشر إنما جاءه من القوى الحيوانية” (ص162). ومنه فإن مصدر الخير هي القوة الناطقة العاقلة، ومصدر الشر هي القوة الحيوانية، كما أن للإنسان عقلا تمييزيا، حسب ابن خلدون، يميز به بين المصالح والمفاسد، والحسن والقبيح بناء على الفكر والروية اللذين امتاز بهما عن الحيوان. وبهذا تهتدي النفس الإنسانية إلى الخير إن هي نشأت في بيئة اجتماعية تقوم على العوائد البعيدة عن الحضارة، وإن كان فيها وازع ديني يدفعها عن مذمومات الأخلاق ويأخذها بمحمودها حسب ابن خلدون. كما أن للمناخ دورا في أخلاق الإنسان كما حدده ابن خلدون في المقدمة الرابعة. من خلال ما سبق، يمكن القول إن الشر والخير عند ابن خلدون مكتسبان، وراجعان لعوامل جغرافية واجتماعية ودينية.
ومنه، فإن الخير والشر تتحكم فيهما معاييرُ خارجيةٌ؛ لأن الفرد لا يولد وهو خير كله أو شر كله، وإنما العوامل الاجتماعية والثقافية والجغرافية تمثل دورا كبيرا في هذا التشكل الفردي الأخلاقي. كما أن ما يدعو إليه ابن خلدون هو الاهتداء إلى قيمة الخير التي بها يكون صلاح العمران الذي هو الاجتماع البشري، ويرجح سبق الخير للنفس على الشر؛ لأنه ينطلق من روح دينية إسلامية، ولم يكن يهدف إلى البحث عن أصل الشر والخير، وإنما فسر سبب تفاوتهما بين البدو والحضر. ومن ثم، نتساءل عن مدى صلاحية هذا المعيار للتمييز بين أهل البادية والمدينة من حيث الخير والشر في عصرنا الراهن؟ هل ما زالت البادية مصدرا ومنبعا للأخلاق الحميدة، أم أن هذا المعيار لم يصمد أمام التغييرات التي أصابت سكان البوادي في ظل وسائل التكنولوجيا التي تنقل لهم الحضارة وقيمهما إلى عقر ديارهم؟
– المصادر والمراجع:
مقدمة ابن خلدون، إعداد محمد الشربيني، دار فروس للنشر والتوزيع، القاهرة.
– ملحوظة: كل الإحالات أعلاه مأخوذة من المقدمة.