الحكمة الرمضانية نظرة في الفعل الإعلامي – محمد المرابط الفاضل

محمد المرابط الفاضل : أستاذ الفلسفة، وباحث في الفكر الإسلامي 

يعتبر شهر رمضان من الشهور المباركة والمتميزة ، ففيه يتقرب الانسان الى ربه عز وجل بالصيام والقيام ، وفيه يعيد النظر في احوال النفوس والسلوك وتقويمها، وفيه يكثر من الطاعات واعمال الخير من اصلاح في الناس والوقوف الى جانب الفقراء، وفيه يكثر التضامن والتكافل، وفيه ليلة خير من الف شهر، وفيه نزل القرآن الكريم.

وعليه :

  • ما حمكة رمضان ؟
  • وكيف يمكننا الاستفاذة منها ؟
  • وما دور الإعلام في رمضان ؟
  • هل يسير في نفس الحط الرباني الرمضاني ام لا؟ ولماذا؟

 

المحور الاول : حكمة  رمضان 

رمضان شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، يقول الله تعالى :

 ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ([1]) 

وهو شهر الغفران والتوبة والعتق من النار،شهر يفتح الله فيه كل أبواب الخير

يقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام :

 (هذا شهر رمضان جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار…)

فهذا الشهر المبارك  مدرسة للتربية الفردية والجماعية،  أي على الإنسان يتأمل في نفسه وقوته المحدودة وعلاقته  بربه ومخلوقاته،حتى يعيد ترتيب أفكاره وطموحاته ونظرته لنفسه وللكون والخالق سبحانه وتعالى، فالسابقون كانوا يجعلون من هذا الشهر مدرسة للتدبر والتأمل والتراحم والإحسان والتعلق بالله ، من اجل نيل رضى الله والبلوغ إلى الحكمة العملية لهذا الشهر المعظم والتي فرض الصيام لأجلها وهي الإحساس بمحدودية قوتنا وافتقارنا إلى قوة اكبر من قوتنا، وهي لا توجد إلا عند الله فهو القادر والقاهر والغني.

   لكن  المتأمل في هذا وحالنا اليوم،  يجد نفسه وسط أسئلة تؤرق الذهن عن سر هذا التغير الحاصل والانقلاب في التوازنات المادي منها والمعنوي، وكيف أصبح هذا الشهر شهر مظاهر وتفاخر وشرود.

 وفي تقديري يرجع غالية ذلك إلى  انقلاب موازين الفكر وغايات الفعل، وذلك  بالتأثير السلبي لوسائل أصبحت في يد غير آمنة ، ومن أهم وسائل التأثير  في وقتنا  الحالي ، الإعلام،  فهو الموجه الأساس ، أو به  يتلاعب بالعقول بلغة هربرت شيللر([2])  أو  يتحكم  فيه  بلغة  نعوم تشومسكي([3])  .

فالإعلام من أهم وأبرز الوسائل التي  تشكل عقلية المجتمع ، فإذا أرادت الدول أن ترتقي بمجتمعها  في هذا الشهر الكريم، وبناء عقلية بناءة لشبابها عليها أن يوجه الإعلام توجيهات اعتبارية متعددة :

  • دينية (الكل )، عبر برامج روحانية وفكرية تجيب عن حاجات وتساؤلات الواقع الخاص والعام ، الفاعل هم العلماء  والمفكرون والدعاة  والقراء… في ما يتعلق بشهر رمضان وصلاة  الجماعة والتراويح …
  • اجتماعية ، عبر برامج تعالج الواقع الاجتماعي بجميع إشكاله وصوره، والفاعل هنا العلماء والمتخصصين في علم الاجتماع ، بغية معرفة الوضع الاجتماعي وكيفية التعامل مع الظواهر السلبية وتنمية الايجابي منها.  
  • نفسية ،عبر برامج تهدف إلى التأثير الايجابي النفسي وزرع الثقة في الوطن وأهله، والدور الفعال الذي تقوم به الدولة وخصوصا في زمن هذا الوفاء  
  • اقتصادية ، عبر برامج تهدف إلى بيان الوضع الاقتصادي ، والوقوف إلى جانب الفقراء وهذا ما قامت به الدولة ، وان كان هذا الأمر يحتاج إلى المراقبة الصارمة في الصرف. لم؟ وكيف؟ ومن؟ .
  • سياسية ، هنا يحب على مكونات القوى السياسة أن تعي المرحلة وعيا حقيقة ، وان تدع المناوشات التافهة والحسابات المزيفة والمصالح الخاصة.
  • كما على الجهات المعنية بالإنتاج أن تعيد النظر في إنتاج الأفلام والمسلسلات الرمضانية، وإلا فسينصرف المشاهد المغربي إلى إنتاج غير محلى من اجل البحث عن ذاته ولو بالقدر القليل.

 وهذا كله يجب أن يمر بالدرجة الأولى عن الإعلام  الوطني  المكتوب والمشاهد على حد سواء .

 

المحور الثاني: دور الإعلام في رمضان

 قبل رمضان بقليل نرى تسابق على غير المعتاد في الإعلانات عن المسلسلات الرمضانية والمتأمل فيها لا يجد فائدة تذكر إلا ما ندر،  لأنها لا تنتج من اجل التأثير الايجابي بل من اجل  المتعة والمشاهدة ، الرفاهية فقط وكأننا وصلنا إلى مرحلة الشبع، ومن يأمل أكثر يرى هناك  مقاصد متداخلة  ( سياسية واقتصادية ونفسه  واجتماعية ) فهناك مسلسلات تنتج  خصيصا  لهذا الشهر المبارك ، وهي في الحقيقة منافية تماما لمقاصده الربانية  والتربية الفردية الاجتماعية ، وهذا الإنتاج إما ذاتي  بأبعاد غيرية أو غيري كلي ،  والغير ينتج في الأساس للبيع  وخصوصا للعالم العربي لأنه في نظره آلة لتصريف النفايات واخذ الذهب بأشكاله وصوره  المتعددة ، وبهذا المعنى ينظر إلى شعوبنا على أنها سلة النفايات .

وغالب هذه المسلسلات عبارة عن  مخدرات من نوع أخر  تفتك بالأسرة والمجتمع وتجعل الإنسان مجرد مادة في نظر أخيه الإنسان ، هذا بالإضافة الى غرس طابع الخيانات الزوجية ونشر “الإباحية” بطرق ناعمة كاستغلال مفهوم “الحرية” وغيرها ،       وتصريف منتجات إباحية  ” الموضة ” والعمل على جعل المرأة سلعة تباع بطرق “راقية” نفسيا ، حتى أصبحت شعوبنا والنساء بالخصوص آلة استهلاكية ، أو بلغة طبيعية أصبحت المرأة “عبيدة ” للرأسمالية بشكل رسمي “حداثي”   .

طبعا المسلسلات فيها ما هو ايجابي وما هو سلبي إلا أن السلبي طغى على الايجابي ، بحكم تهاوننا في الإنتاج واستسلامنا للتقليد حتى أصبحنا  نعيش مرحلة “العقل الشارد”، ومن خلال متابعتي لمسلسلات  متعددة ومتنوعة  ايجابية وسلبية، يمكنني القول أن لكل مسلسل رسالته وأسبابه إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لخدمة قضية أو قتل قضية أو من اجل المال والشهرة.

ومن المسلسلات التي تابعتها وأنصح  بمتابعتها في هذا الشهر المبارك، وذلك لاعتبارات متعددة أهمها :

  • أن الأسر لا تستطيع الابتعاد عن هذا الموضوع ، فمن باب أخف الضررين .
  • أنها أخلاقية باستثناء بعض المشاهد القليلة.
  • تزرع الوعي والفطنة وحب الذات .

 

  • أولا : مسلسل ” قيامة ارطغرل ” وتكملته “قيامة عثمان” هذا المسلسل له تأثير خاص ، وذلك لأسباب أهمها:

أ- جودة الإنتاج ودقته ووضوح القضية التي يدور حولها المسلسل.

ب- الأخلاق الإسلامية التي يعمل على زرعها في المشاهد.

د- إحياء المجد الإسلامي في نفوس الشباب والاعتزاز بالهوية …

   ثانيا :مسلسل “السلطان عبد الحميد الثاني “ وهو أجملهم وأدقهم ، عالج  هذا المسلسل الرائع قضايا متعددة واقعية (الغالب) وشبه واقعية (جزئيات ) من أهمها :

أ- الصراع الحاصل بين الإمبراطورية العثمانية الإسلامية وبين الدول الغربية وغير الغربية الغير المسلمة عبر استغلالها للمال والإعلام ، بالمال تعطل مشاريع (ايجابية ) تم التنبيه في المسلسل على المصانع والمدارس ، وتفتح مشاريع (سلبية ) تم التنبيه  في المسلسل على المخدرات والقمار … أما الإعلام “فربينا ” تخطط وتلعب وتزور وتكذب بإذن من روتشيلد الأب والموجه لكل فعل غير أخلاقي ، هذا ما نراه اليوم في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث أصبحا الوسيلة البديلة للاستعمار كما يؤكد ذلك المفكر المغربي الكبير المهدي المنجزة ([4]) 

ب- إحياء وإخراج الصورة الحقيقة -ولو- نسبيا للتاريخ العثماني في المرحلة الأخيرة ، فتبن أن ما ندرسه من تاريخ كتب بأعين العدو ” كلاب روتشيلد” ([5])

د- علاقة السلطان بالدين والشعب، بين المسلسل أن المسلم  لن تقوم له قائمة مادام بعيدا عن دينه وتوجيهاته وأخلاقه ، وأن من  يثق في الغرب كمن يحسب السراب ماء .

  • ثالثا :مسلسل ” كوت العمارة “ الذي يحكي قصة انتصار الجيش الإسلامي العثماني على الجيش الاستعماري ( الانجليزي….) كما بين كيفية اختراق الخليج العربي والتلاعب بقادة العشائر وإيقاد نار الفتنة بين السنة والشيعة واستغلال الوضع لصالح المستعمر، وكيف وقع بعض قادة العشائر تحت التأثير الاستعماري نتيجة الوعود الواهية والجشع والطمع.

ونتيجة هذا  الأمر ما نراه اليوم في الوطن العربي من اخترق للكيان الصهيوني للدول العربية اقتصاديا ([6]) وسياسيا ([7]) ([8]) ثقافيا بطريقة ناعمة([9]) 

رابعا: مسلسل ” وادي الذئاب “ الذي عالج قضايا سياسية واستخباراتية وعسكرية، والصراع من اجل السيطرة، كما عالج قضية التدافع والصراع على المستوى الداخلي ، والصراع مع القوى الخارجية وكيفية  محاولة الاختراق الاجتماعي الاقتصادي السياسية ، وأخر ما أشار إليه المسلسل التلاعب بالعقول والسيطرة عليها عبر موجات صوتية لاشعورية …. وهذا المسلسل ترك انطباعا ايجابيا في عقول الشباب العربي ولو بشكل نسبي ، انأ شخصيا استفدت منه الكثير في تحليل قضايا ومعلومات واقعية .

هذا المقترح مبني في الأساس على  أننا مستهلكون فقط  ، وأن أعمالنا في الغالب الأعم غير أخلاقية ، أو ضعيفة المحتوى وذلك لأسباب  منها :

  • التحكم في الإنتاج لصالح قوى معينة ، لها نفوذ داخلي وخارجي مباشر وغير مباشر
  • إقصاء أعمال وطنية جادة مما يساهم في إماتة سنة التدافع والتفاعل  .
  • إشكالية الدعم ، ضعيف للغاية ، “الزبونية “
  • سلطة المال والشهرة ، بدون فطنة ويقظة وتبصر .
  • الابتعاد عن المواضع “الكبرى ” الجادة .
  • ادعاء محاكاة الواقع وهم في الحقيقة يقتلونه قتلا بعرض جزء جزئه السلبي  وكأنهم مكلفون بإنهاء المهمة التي لم يكملها المستعمر،وهي محو هوية الأمة المغربية الإسلامية .
  • قتل العادات والأعراف الايجابية والقيم والأخلاق الإسلامية بحجة الانفتاح ، كيف لك أن نتفتح وأنت متلقي فقط ، “لتنفتح ”  على غيرك يجب أن تتحرك بإرادتك الحرة  بالاعتماد على ذاتك “الكلية ” ، حتى يكون لك وجودا ذاتيا  لا أن تكون نسخة مشوهة في المستقبل([10]) 

وفي الختام  أقول : أن اقتراحي لمثل هذه المسلسلات ما هو الا اقتراح من باب العمل بأخف الضررين،  وإلا فالإنتاج الذاتي لا مثيل له ، وخصوصا إن كان يحمل هما ويعالج قضايا كبرى التي يمكن أن تساهم في تشكل الوعي  لدى الشباب بالمعنى العميق، لكن للأسف لا نرى  في الإنتاج  المغربي المعروض إلا الاهتمام بالجزئيات التي تضر ولا تنفع، وإذا تأملتها تجدها  صراعات فكرانية فقط، هذا من ناحية  وتشويه للذات المغربية الإسلامية وزرع شعور “الانهزامية ” في نفوس أبناء الأمة المغربية الضاربة في التاريخ الفاتحة لأوربا والمنفتحة على العالم من ناحية أخرى ، هذا بشكل عام،  أما الإنتاج “الرمضاني” فقد ولي أمره للأسف من يلهث وراء الشهرة والمال دون رؤية أو بصيرة ، فأصبحنا ملزمين بمشاهدة ” التفاهة  ” المسيطرة على الشاشة العمومية  لغاية التغييب والتشويه وان لم يدرك ذلك من يظهر في الصورة .

والله ولي التوفيق

([1]) (سورة البقرة : الآية  185)

([2])انظر كتاب المتلاعبون بالعقول

([3])انظر كتاب ماذا يريد العام سام ، ومقالة الشهيرة الاستراتيجيات العشر

([4]) اقرأ :

  • “الحرب الضارية الأولى “
  • “الإهانة في عهد الميغا إمبريالية”
  • ” حوار التواصل “
  • “عولمة العولمة “

([5]) لتصحيح الصورة اقرأ

  • السلطان عبد الحميد الثاني حياته وأحداث عهده
  • السلطان عبد الحميد الثاني بين الإنصاف والجحود
  • أكذوبة إبادة الأرمن في الدولة العثمانية

([6])اقرأ على سبيل المثال  “التطبيع الاقتصادي” لنجيب بوليف 

([7]) اقرأ “الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي” لأحمد منصور

([8])”التطبيع إبادة حضارية ” للمقرئ الإدريسي 

([9])اقرأ كتاب “الحق العربي في الاختلاف الفلسفي”  لطه عبد الرحمن

([10])(مسلسل وجع التراب نموذجا )

إغلاق