التحولات الاجتماعية (المستوى الثقافي- الرمزي) في أم القرى – نورالدين البحار
الثقافة في نظر علماء الاجتماع جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة، ويشرك أعضاء المجتمع بعناصر الثقافة تلك التي تتيح لهم مجالات التعاون والتواصل، وتمثل هذه العناصر السياق الذي يعيش فيه أفراد المجتمع، وتتألف ثقافة المجتمع من جوانب مضمرة غير عيانية مثل: المعتقدات، والأراء، والقيم التي تشكل المضمون الجوهري للثقافة، ومن جوانب ملموسة مثل الأشياء والرموز.
وهناك أنواع للثقافة: الجماهرية، الجماهر ،التحتية، الهامشية، القرب، اعتراف الشعبية وفي هذه القرية توجد ثقافة بدوية أو شعبية.
” إن الثقافة الشعبية هي إنتاج فكري وفني وشعبي، يتميز بالجماعية في التأليف ليس له توقيع اسمي فردي أو جماعي، بل توقيع معنوي كلي، كما تتميز بكونها خطاب شفوي (غير مكتوب )، يكتب بالنيابة ويواثق بالنيابة، يمكن تحديد بعض قسماته في الأهازيج والأمثال والنكث والفن الشعبي والأساطير والحكايات والفلكلور والأحاجي.و الثقافة هي مجموعة من الروابط و المجتمعية و البشرية التي يعيش الفرد او مجموعة من الافراد داخل مجتمع له خصوصياته كالثقافة البدوية و الامازيغية تتفرع منها عدة ومعتقدات تحكم القبيلة او العشيرة وتتميز بعده اعراف وطقوس أغلبها تحمل في طياتها قيم دينية و إنسانية .
مثلث الأعياد الدينية بالنسبة للمجتمع القروي المناسبات دائمة التجديد الروابط وتنميتها بين الأفراد المكونين للقرية. حيث يفترض أو يتوجب أن يجتمع صبيحة يوم العيد كل رجال الدوار وأبنائهم خصوصا الذكور في المسجد . يلتحق من الساعات الأولى وأبنائهم خصوصا الذكور بألبسةجديدة وكل أسرة لديها فطور تستحضره الإحتفال في المسجد يلتحق ويبدؤون في التحضير الإحتفال، بعد ذلك يحضر كل الأفراد وتتعدد وجبات الإفطار، وتحل كل النزاعات إذا كانت هناك نزاعات حيث أن الكل يكون مهيئا نفسيا للتصالح، وبعد ذلك يتم تناول الفطور بشكل جماعي، ثم تقرأ الفاتحة ويتم توديع الفقيه الذي غالبا ما كان يغادر الدوار في الحال الالتحاق بأسرته، وبعد ذلك ينصرف الكل إلى حال سبيله، لكي يتم الانفتاح على مجاملات أخرى، في بعض الحالات أوسع وأبعد من مجال الدوار أو القرية لزيارة الأقارب والأصهار.
أما النساء، فعادة ما كن يجتمعن في دار معينة إما عند امرأة فقدت أحد أقاربها أو كانت مريضة أو زوجها غائب حتى لا تشعر بوحداتها.هذا المشهد نفسه، كان يتكرر يوم عيد الأضحى، حيث بعد صلاة العيد وتناول الوجبة الجماعية، عادة ما كان يبدأ بذبح أضحية الأرامل والشيوخ وحيث كان يتعين على كل أفراد الدوار أو القريةأن يحضروا طقس الذبائح بهذا الشكل جسد العيد مظهرا ثقافيا من الله يتم تأكيد الروابط بين الأفراد المكونين للدوار وإعادة إنتاج نفس القيم التي راكمتها الجماعة عبر تاريخها.
– والملاحظ أن هذا التقليد سيبقى مستمرا حتى حدود بداية القرن الواحد والعشرين أي بداية سنة ألفين 2000 ،وإن اختلفت درجة حضوره من منطقة إلى أخرى،خصوصا في التجمعات القروي الكبرى حيث أن تعدد الساكنة واختلاف انحدارها الجينيالوجيا لم يعد يسمح بتجمعات إحتفالية من هذا القبيل، وحيث يتم الإختصار في الغالب على الصلاة الجماعية في المسجد الكبير، وحيث أن الحضور أو الغياب
إلى المسجد يسهل مراقبته عكس التجمعات السكنية الكبرى الدواوير، حيث أن عدم الحضور للمسجد الإحتفال إلى جانب أفراد الجماعة، كان يعتبر خروج من الجماعة وحيث أن هذا الخروج في عرف الجماعة يعتبر عملا شيطانيا (ما كيخرج من الجماعة غير الشيطان ). هناك رقابة لا شعورية تمارس على الأفراد في إطار علاقتهم مع الجماعة تنتج عنها رقابة ذاتية يفرضها كل واحد على نفسه حتى يخطئ وحتى لا يخرج عن تعاليمها.منذ بداية القرن 21 أي سنة ألفين، نلاحظ ، حتى على مستوى التجمعات السكنية الصغرى، بداية انقراض مثل هذه العادات الثقافية، حيث سيتم الإنتقال من حالة الانفتاح إلى حالة الانطواء، وحيث ستتقلص العلاقات لتنتقل من الجماعة إلى مجال العائلة، ومن ثم عوض أن يكون جماعيا، سيتخذ صيغة فردية كل عائلة تحتفل بمفردها، وبالتالي في الزيارات التي تعرضها المناسبة والتي كانت متعددة الأبعاد والإتجاهات داخل مجال الدوار أو القرية وخارجه، ستتخذ أبعاد ثنائية وستصبح خاضعة لمنطق أخر، منطق الحساب، من يزورني أزوره. ومن لا يزورني هو الآخر لماذا أبادر أنا بزيارته؟
هكذا في العلاقات حتى في القرية لم تعد منفتحة وممتدة كما كان الأمر في السابق حيث استطاعت تجاوز مستوى العائلة، بل أصبحت منطوية مرتبطة بالعائلة بل في بعض الحالات مقتصرة على العائلة الزواجية . أما اليوم تغير كل شيء وأصبح الكل يكتفي بصلاة العيد داخل المنزل وبعد ذلك يقومون الأطفال والأمهات والشباب بصلة الرحم بين الجيران والأقارب .
مراجع
– أنظر الدكتور محمد سالم شكري محاضرات التغيراإلجتماعي، محوار التغير المركب الفصل الخامس علم اإلجتماع ص 2 ، سنة 2017.
– أحمد الشراك، الغرافيتيا أو الخربشات العربية على الحيطان/ القاهرة: روافد للنشر والتوزيع، طبعة ثانية 2015 .ص 1
نورالدين البحار