إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر

مقدمة عامة :

بوشعيب بن ايجا

شغلت الحداثة و لا تزال مساحات واسعة في خطابات الفكر العربي المعاصر ، فأعطيت دلالات و معاني للمفهوم يصل التداخل و التناقض بينهما إلى الحد الذي يجعل كل فهم معرفي لها ملغيا المفهوم الآخر ، نظرا إلى جملة من العوامل و الأسباب التي أسهمت في بلورة وعي العقل العربي بهذا المفهوم كغلبة المنزع النضالي و الاصطفاف الايديولوجي على التفهم المعرفي و الفلسفي للحداثة بوصفها مفهوما تشكل في سياقات تاريخية مرتبطة بالمجتمعات الغربية ، الأمر الذي أدخل العقل العربي في نوع من السجال السلبي و الذي لم يفض إلى فهم معرفي للحداثة العربية و منجزاتها السياسية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية و قد سعى العقل العربي بشتى الوسائل المعرفية و الادوات المنهجية إلى التعرف على العقل الغربي و تفكيك مقولاته ، و السعي لهضمها و استيعابها و تجاوزها ، و هذا كله من أجل الولوج إلى الأزمنة الحداثية على شاكلة المجتمعات الغربية ، فالوعي بالحداثة الغربية في الفكر العربي تقلب في أطوار ثلاثة ؛ انتقل فيها الوعي بها من نمط الصدر الكلي للحداثة لعدم تطابقها مع النموذج المثالي التاريخي ، إلى نمط الاستيعاب الاسقاطي للحداثة على الواقع العربي ، وصولا إلى نمط الوعي النقدي بالحداثة الغربية .

نشطر الوعي بالحداثة إلى تيارين فكريين ؛ أحدهما دعا إلى الأخذ بالشروط التاريخية و المقدمات الفلسفية التي قامت عليها الحداثة الغربية لولوج المجتمعات العربية إلى الأزمنة الحداثية ، و تيار فكري آخر فصل بين روح الحداثة و تطبيقاتها بوصفها تجربة تاريخية في المجتمعات الغربية ، و دعا إلى طرح بديل منها نظرا إلى استحالة استنساخ التجارب الحداثية ، مع إمكان الافادة منها في عملية ولوج المجتمعات العربية إلى أزمنة حداثية مخصوصة ، و في هذا المنطلق انخرط الفكر العربي المعاصر في مساءلة نقدية للحداثة الغربية ، و نتلمس ذلك في عدد من النصوص الفكرية و في خضم الحديث عن قضية الحداثة تبرز النصوص الفكرية للمؤلفين : عبد الله العروي و طه عبد الرحمان ، و مبرراتنا المعرفية في اختيارهما أن نصوصهما تنتمي إلى نمط من الوعي النقدي بمفهوم الحداثة ، و تكشف عن وعي منهجي نقدي بالآليات و الشرائط التي انبثقت منها الحداثة الغربية ، و تنم عن تبلور وعي انتقل من نمط الصدر و الانبهار بالحداثة إلى نمط من الوعي الذاتي و النقدي بها ، و السمة البارزة لهذا الوعي النقدي تحوله من وعي تجزيئي بظاهريات الحداثة إلى نمط من الوعي التركيبي بها و انطلاقا من هذا التأسيس الإشكالي للموضوع نسعى للإجابة عن التساؤلات الآتية : ما أنماط الوعي بالحداثة الغربية في الفكر العربي المعاصر ؟ و ما الانتقادات التي وجهها طه عبد الرحمان إلى الوعي بمفهوم الحداثة الغربية في الفكر العربي المعاصر ؟ و ما طبيعة الوعي البديل الذي اقترحه لاستيعاب الحداثة الغربية و كل منجزاتها الفلسفية و العلمية ؟

يكتسي موضوع الحداثة في الفكر العربي أهمية معرفية ؛ لأنه يمكننا من رسم خريطة ذهنية لتحولات وعي العقل العربي بهذا المفهوم ، و يسهم في الكشف عن العوامل الاجتماعية و الاقتصادية التي ساعدت في تشكل هذا الوعي ، بالإضافة إلى الكشف عن الطرائق المنهجية و الأساليب الفكرية التي وظفها في التعرف إلى الغرب و منجزاته الفكرية و العلمية .

  • مفاهيم الإشكالية

  • مفهوم الوعي

يقف الباحث عند عديد من الدلالات التي أعطيت لمفهوم الوعي ، و التي تكاثرت إلى درجة غياب المعنى الحقيقي للمفهوم ، لذا لا بأس البدء من الدلالة السيكولوجية على اعتبار أن المفهوم وظف بكثافة في التعبير عن عوالم النفس الباطنية ، فنجد في هذا المقام استعمالين مختلفين لكلمة الوعي ؛ أولا الوعي بوصفه معطى قديما لا تمايز يستعمل مادة لكل حياة نفسية ، و من ثم يوضع من بعض الجوانب فوق كل سجال ، ثانيا الوعي بوصفه مبينا مصنوعا من تعارض الموضوع و الذات ، و منحصرا عندئد في هذا الاخير مقابل الموضوع [1] ، لكن هذه الصلة بين الذات و الموضوع عبر مجرى الوعي تسحب معها عديدا من الاستشكالات ، يوجد يقين للوعي المباشر و لكن هذا اليقين ليس معرفة حقيقية عن الذات ، ثانيا يحيل كل فكر إلى غير مفكر فيه و كأنه هروب مقصود من الذات ، و لكن هذا غير المفكر فيه هو أيضا ليس معرفة حقيقية عن اللاوعي [2] و وفق جدلية الوعي الذاتي و الوعي الموضوعي ، يصبح المعيار الوحيد لتحديد مفهوم الوعي يرتكز على الذات نفسها ، فما تراه الذات وعيا خاصا بها فهو كذلك و ما تقوم بنفيه يعد منفيا ، ما دمنا قد وجدنا معيار الحقيقة في الواقع المحض للوعي ، فلن يكون لأي حقيقة مزعومة أساس آخر سوى اليقين الذاتي ، و هكذا فإن ما أكتشفه أنا في وعيي يبالغ فيه بحيث يصبح واقعه موجودة في كل وعي ، ثم يطلق على طبيعة الوعي ذاتها [3] فحياة الوعي بوصفها حياة يقظة للأنا ، إنجاز متواصل للأفعال و دائما أفعال جديدة في تأثير الغرائز و الاهتمامات الاعتيادية التي لا يتوفر فيها الأنا على نوعيته الشخصية ، إنه يتأثر باستمرار بموضوعات معيشة يلتفت تارة نحو هذه و تارة نحو تلك يشتغل عليها ، يكون منشغلا بها بكيفية ما [4] و على هذا الأساس إن الوعي بالأفكار و المفاهيم يسنده الوجود الإجتماعي للإنسان ، فليست كل أفكارنا نابعة من وعينا الذاتي ، بل يكون كثير من الأفكار استجابة للمثيرات المادية الخارجية .

إن التصورات و الفكر و التعامل الذهني بين البشر تبدو هنا أيضا على اعتبارها إصدارا مباشرا لسلوكهم المادي ، ينطبق الأمر نفسه على الإنتاج الفكري كما يتمثل في لغة السياسة و القوانين و الاخلاق و الدين و الميتافيزيقا [5] ، و كذلك يعد الوعي من أدوات الإدراك الإنساني الأساسية ، فالوعي هو الوجه الذاتي للعمليات الإدراكية التي تستوعب ما يصل إلى الذهن من المثيرات الخارجية و الداخلية ، و يعمل على إدراك الصفات و الخصائص التي تعين الشيء المدرك و تصنفه ، أو تعطيه قيمته من خلال نشاط العمليات العقلية العليا [6] لنشير في هذا المقام إلى دور العوامل النفسية و العقلية في صياغة وعي المفكر بالحداثة الغربية من دون أن نغفل مجموعة العوامل الخارجية الموضوعية المؤسسة لهذا الوعي لديه و دورها في تمثله و استيعابه لمفهوم الحداثة الغربية .

  • مفهوم الحداثة

يمكن تعريف مفهوم الحداثة من الزاوية التاريخية بكونها مرحلة تاريخية بلغتها مجتمعات إنسانية في مسارها التاريخي ، و الحداثة هي ملامح المجتمع الحديث المتميز بدرجة معينة من التقنية و العقلانية و التفتح ، و الحداثة كونيا هي ظهور المجتمع البرجوازي الغربي الحديث في إطار ما يسمى بالنهضة الغربية أو الأوروبية ، هذه النهضة التي جعلت المجتمعات المتطورة صناعيا تحقق مستوى عاليا من التطور مكنها و دفعها إلى غزو و ترويض المجتمعات الأخرى [7] و تشير إلى القرون الثلاثة السابقة ، اكتشاف العالم الجديد و عصر النهضة و الاصطلاح ، هذه الاحداث الثلاثة الهامة التي حدثت حوالي عام 1500 تشكل العتبة التاريخية بين العصور الوسيطية و الأزمنة الحديثة [8] ، أما الدلالة الفكرية التي أعطيت لمفهوم الحداثة ، فتشير إلى حركة الاستنارة الفكرية التي عرفتها المجتمعات الغربية ، أما الدلالة الاخرى التي أعطيت لمفهوم الحداثة ترتبط بنموذج التحديث الاجتماعي الذي قامت الحداثة بإحلاله بديلا من النموذج الاجتماعي التقليدي ؛ ذلك أن النموذج الاجتماعي الغربي مستمد من مبادئ الحداثة لأنه ينتظم حول فكرة مجتمع يصنع ذاته ، إنه حركة تحول ذاتي ، تدمير للذات تمهيدا لإعادة بنائها ، إن المجتمع الغربي يؤمن باستعمال العقل و يحترم الحقيقة القابلة للإثبات ، أي إثبات النقل و التطبيق ، لذا كان همه أن يحسن حظوظ الحياة و العمل ، و يلبي حاجات أعضاء المجتمع كافة [9] و في الاخير الحداثة قول فلسفي مرتبط بالفعل ، بمعنى أنه ليس كلاما نظريا تجريديا ، و إنما مجموعة من الممارسات الإنسانية التي انتقلت معها المجتمعات الغربية من أزمنة ساكنة إلى أزمنة سائلة…    وهي تبدأ أي الحداثة حالما يتوقف الزمان و المكان عن الوجود على الحالة التي كان عليها على مدار قرون عديدة في أزمنة ما قبل الحداثة ، عندما كانا يتلاحمان و يتشابكان بحيث يتعذر التمييز و الفصل بينهما داخل التجربة المعيشة [10]

  • الحداثة الغربية و أنماط الوعي بها في الفكر العربي المعاصر

تناولت عديد من الدراسات الفكرية العربية الحداثة الغربية بالتحليل و النقد ، و سعت في أغلبها إلى صياغة وعي معرفي و مفهومي بها فوظف العقل العربي منذ عصر النهضة عديدا من الوسائل المنهجية و الادوات المعرفية للتعرف على الحداثة الغربية ، و سعى لاستيعاب منجزاتها العلمية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية ، و انبثق في رحلة الوعي بالحداثة الغربية عديد من الاطروحات و المقاربات و تشكل عديد من أنماط الوعي بهذا المفهوم ، فمنها ما وعى الغرب في جانبه الليبيرالي السياسي ، و منها ما  وعاه في جانبه الاقتصادي التقني ، و منها ما وعاه في جانبه الفلسفي و العلمي ، و هنا يرتبط الاشكال بطبيعة وعي العقل العربي بالحداثة الغربية و يأتي الاشكال عندما يتداخل المفهوم مع السياقات التاريخية التي تتولد منها ، فالحداثة ليست مفهوما فلسفيا خالصا ، بل هي أزمنة حديثة ولجتها المجتمعات الغربية ، فنحن عندما نتحدث عن الحداثة ، فيجب أن لا نفهم منها ما يفهمه أدباء أوروبا و مفكروها أعني أنها مرحلة تجاوزت مرحلة الانوار و مرحلة النهضة التي تقوم أساسا على الاحياء ، إحياء التراث و الانتظام فيه نوعا من الانتظام [11] و على هذا الأساس يعد وعي العقل العربي بالحداثة الغربية المدخل الرئيس في فهم تطور الفكر العربي المعاصر، و الذي حكم عليه الجابري بأنه فكر سلفي ، سواء الفكر الذي يرى أن نموذج الماضي هو الذي سيدخلنا إلى عالم الأزمنة الحديثة ، و الفكر العربي الحديث و المعاصر كان معظمه سلفي النزعة و الميول ، و إنما الفرق بين اتجاهاته و تياراته هو في نوع السلف الذي يتحصن به كل منها [12] ، بناء عليه يرتبط السجال الأيديولوجي بين التيارات الفكرية العربية على أساس الوعي بالحداثة الغربية ، و بإمكان تحويل الحداثة إلى نموذج في عملية الانتقال الحضاري ، حيث ترى تيارات فكرية أن الايديولوجيا الحداثية إذا ما تم تبنيها ستدخلنا إلى الازمنة الحديثة ، في حين ترى تيارات فكرية أخرى أن النموذج الحداثي الغربي يقوض الذات الحضارية العربية ، و يسهم في تقهقرنا و تخلفنا ، و الخطاب العربي المعاصر و الحديث هو في الحقيقة سجال مستمر بين اتجاهات لا تختلف في آفاقها الايديولوجية فحسب ، بل أيضا كان هذا هو السبب في ذلك ، و بكيفية عامة في النموذج الايديولوجي الذي تستوحيه أو تستند إليه [13] ، و من هذا المنطلق يعد النمط الايديولوجي أول أنماط الوعي بالحداثة الغربية ، و هو نقيض التفهم المعرفي و المنهجي لمفهوم الحداثة الغربية ، حيث أن الايديولوجيا لا تمكننا من بناء وعي عقلاني رصين بها و بالحداثة الغربية ، و جل ما تمدنا به قوة فكرية سجالية تعمل على تعميم وعي سلبي بالحداثة الغربية أكثر من تقديم فهم عميق بالعناصر الداخلية المشكلة لها ، و من زاوية أخرى لا يمكننا حصر وعي العقل العربي بالحداثة الغربية في المتغيرات أو المتغير الايديولوجي على وجاهته ، فهناك التحولات الاقتصادية و السياسية التي خبرتها المجتمعات العربية ، و دورها في تأثيت الوعي بالحداثة في الفكر العربي ، و انطلاقا من هذا الوعي البراغماتي بالحداثة الغربية نتجاوز ثنائية الأصالة و المعاصرة في الفكر العربي المعاصر .

و تعبر الأصالة و المعاصرة عن الصلة بين الفكر و الواقع ، فالأصالة هي الفكر على مستوى الواقع و التاريخ ، و المعاصرة هي الواقع على مستوى السلوك ، الأصالة أساس الفكر و المعاصرة إحساس بالواقع ، و المشكلتان وجهتان لمنطق واحد و هو منطق التجديد الذي تعرضه الأصالة و المعاصرة على المستوى الافقي و الذي يعرضه الفكر و الواقع على المستوى الرأسي ، في حين يرى الباحث بلقزيز في دراسته للفكر العربي أن الوعي بالحداثة الغربية تشكل عبر عديد المراحل التاريخية ، و قد أعطى مفهومه للحداثة بقوله ” الحداثة بما هي ظاهرة في تاريخ الفكر الانساني حملت معنى محددا في وعي من استقرار رأيهم على نعتها بالحداثة… و بات العرف جاريا على تعيين سماتها نحوا من التعيين و بات العرف جاريا على تعيين تخرج به دائرة الاشتراك في وجوه الشبه مع ما يمكن وصفه بما قبل الحداثة و بما بعد الحداثة [14] ، و بناء على هذا المفهوم للحداثة يرى الباحث بلقزيز أن كل حداثة في العالم تنهل من الحداثة الغربية بوصفها المصدر الاول و النموذج الملهم ، فالحداثة الفكرية العربية نجمت عن اتصال فكر عربي لم ينقطع بمصادر الفكر الغربي منذ قرن و نصف قرن تخلله التقليد و الاقتباس و التأويل و الحوار و النقد ، لكنها في الوقت عينه نشأت كي تجيب عن أسئلة خاصة بالمجتمع العربي و الثقافة العربية [15]

مر العقل العربي في رحلة الوعي بالحداثة الغربية بلحظتين ؛ لحظة الاعجاب و التماهي بالحداثة الغربية و بكل منجزاتها أطلق عليها بلقزيز لحظة النهضة ، ثم تلتها لحظة الوعي بالحداثة الغربية ، وصل في منظور بلقزيز الفكر العربي المعاصر إلى نوع من الوعي النقدي بالحداثة الغربية، فحرر الوعي العربي المعاصر من ثقل ذلك التجاذب الحاد الذي أزمن فيه بين تيارين أصالي و عصراني تبادلا الانتصار كل من موقعه لمنظومة فكرية ضد أخرى ، و لقد كان تحرير العقل من هذه التقاطبية الحادة فيه يشكل بحد ذاته ثورة .

و لا يختلف الباحث كمال عبد اللطيف مع بلقزيز في التأريخ لوعي العقل العربي بالحداثة الغربية ، و يقصد بالحداثة تجديد منظومة القيم بغية تحقيق الاندفاع نحو المستقبل ، و قوة الموقف الفلسفي الحداثي كما نفهمه تتمثل أولا و قبل كل شيء في وعي مبدأ المخاطرة الانسانية الساعية إلى التغيير استنادا إلى قيم جديدة ، قيم بديلة لقيم التقليد المتوارثة و قيم العقل النصي [16] ، لذلك غلب على وعي العقل العربي في بداياته الاولى بالحداثة الغربية النزعة الانتقائية ، فيأخذ المفاهيم التي تتجاوب معه ، و يصد المفاهيم التي تتنافى مع تراثه الديني و الحضاري ، و من هذا المنطلق يرى عبد اللطيف أن الوعي بالحداثة الغربية في الفكر العربي تدرج عبر لحظتين ، اللحظة الأولى لحظة إدراك الفارق ، و التي لا تختفي أو تنقطع ، و قد استعملنا في نعتها مصطلحا سيكولوجيا و مفردة تستوعب طرفين ، نقصد بذلك فعل الادراك و عملية الادراك الآخر [17] ، ثم انتقل بعدها العقل العربي إلى لحظة وعي الذات الذي يستند إلى قيم التاريخ التي تتردد في النظر إلى القطائع باعتبارها استمراريات مبدعة [18] و في هذه اللحظة بدأ العقل العربي المعاصر يعي الحداثة الغربية من منظور ذاتي من خلال قدرته الذاتية على المحاجة و التفكير و النقد .

توحي هذه التحليلات المعرفية بقوة صدمة الحداثة الغربية ، و ارتداداتها على وعي العقل العربي فقلق الحداثة الغربية مازال ينتاب المفكرين العرب ، و يتسرب لاشعوريا إلى معظم نصوصهم الفكرية ، و لن نجد أحسن من تعبير فتحي المسكيني الذي وصف هذه الحالة السيكولوجية بالدهشة ، فدهشة العرب من الحداثة هي أهم حدث روحي في تاريخهم المعاصر ، إن حب الاطلاع المتأصل في ثقافتهم الاولى قد اندثر فجأة، و أصاب وعيهم بالتاريخ انكسار عجيب ، فالعلاقة بالحداثة ليست علاقة تقليدية بأمة أخرى ، بل هي اصطدام روحي بأفق تاريخي لم يقع التهيؤ له أصلا [19]

  • نقد الوعي المقلد و التأسيس للحداثة الإسلامية عند طه عبد الرحمن

استهل طه عبد الرحمن مشروعه الفكري بنقد ظاهرة الوعي المقلد في الفكر العربي ، فيرى أن الفكر العربي في معظمه فكر مقلد لا صلة له بعالم الابداع ” فالمرء ليعجب أشد العجب من بعض المثقفين من بني جلداتنا الذين لا يجدون مذلة ، و لا شناعة و لا حتى حرجا في تقليد الآخرين فيما استحدثوه من أنماط تفكيرهم … جاعلين من تقليدهم عين اجتهادهم و من جمودهم عين إبداعهم ، فحسبهم من الحداثة أن ينقلوا عن غيرهم الفكرة تلو الفكرة ، و العبارة تلو العبارة ” [20] ، و ينقسم المقلدة في الفكر العربي إلى : مقلدة المتقدمين ، و مقلدة المتأخرين و كلا النوعين من المقلدة لا إبداع عنده ، إذ مقلدة المتقدمين يتبعون ما أبدعه السلف من غير تحصيل الاسباب التي جعلتهم يبدعون ، و مقلدة المتأخرين يتبعون ما أبدعه الغرب من غير تحصيل الاسباب التي جعلتهم يبدعون ما أبدعوه [21] ، فالحداثة عبارة عن إمكانات متعددة ، و ليس كما ساد الاعتقاد إمكانا واحد ، و انطلاقا من الرؤية التعددية إلى ظاهرة الحداثة ، يرى طه عبد الرحمن أن هناك حداثات تعكس إمكانات و خيارات تتبناها كل جماعة حضارية ” كما أن للحداثة الغربية أشكالا مختلفة فكذلك ينبغي أن تكون للحداثة الإسلامية أشكال مختلفة ، لذا فإن مقاربتنا للحداثة الإسلامية هي على الحقيقة مقاربة لواحد من الاشكال التي يجوز أن تتخذها الحداثة الإسلامية “[22] فليس شرطا أن نستنتج التجربة الحداثية الغربية على ما حققته من مكاسب للإنسانية .

و قد انتقد المفكر المغربي طه عبد الرحمن الرؤى العديدة لمفهوم الحداثة ، معتبرا أن التحريف و التزييف قد لف هذا المفهوم لدرجة يصعب تحليله و استيعاب مقصده ، فمنهم من اعتبرها ظاهرة سياسية ، و البعض الآخر عدها فترة تاريخية عرفتها المجتمعات الغربية ، و البعض جعلها بمثابة العلم و التقنية ، و الحال أن هذا التصور المفهومي للحداثة ينقل الحداثة من رتبة مفهوم عقلي إجرائي إلى رتبة شيء وهمي مقدس و السبيل إلى التخلص من هذا التشييئ الذي أدخلته هذه التعاريف على مفهوم الحداثة هو أن نفرق بين روح الحداثة و واقع الحداثة [23] ، و لا خلاف في أن الخصائص التي تميز روح الحداثة يجدر طلبها في جملة المبادئ التي يفترض أن الواقع الحداثي يحققها ، و يبدو أن خصائص هذه الروح تقوم في مبادئ ثلاثة أساسية هي : مبدأ الرشد ، مبدأ النقد و مبدأ الشمول ، و يؤكد فيلسوفنا طه عبد الرحمن على أن الحداثة الإسلامية ( الحداثة الإسلامية العربية المعاصرة ) ليتم الوصول إليها لابد من توافر جملة من الشروط و المبادئ و القواعد منها :

  • اجتناب آفات التطبيق الغربي لروح الحداثة

فلا يصلح أن ننقل تطبيق الآخرين لهذه الروح ، نظرا إلى أن المطلوب هو نقل الأصل ، و ليس نقل النقل ، و الاصل هو هذه الروح ، و ليس تطبيقها الذي هو مجرد نقل فضلا عن أن لكل مجال تداولي مقتضياته التطبيقية الخاصة أي أن تأسيس الحداثة يقتضي العودة إلى الاصل ، و ليس ما تم نقله و تداوله .

  • لا بد من اعتبار الحداثة تطبيقا داخليا لا تطبيقا خارجيا

فالحداثة هي تطبيق مباشر لروح هي عبارة عن ثلاث مبادئ ، و هي مبدأ الرشد ، مبدأ النقد ، مبدأ الشمول و هذا التطبيق المباشر لا يكون إلا حداثة من الداخل أو قل حداثة جوانية ، فالتطبيق الداخلي يوجب على من يتعاطاه الرجوع إلى الاصل ، فكل أمة هي بين خيارين اثنين : إما أن تصنع حداثتها الداخلية أو لا حداثة لها [24]

  • لا بد من اعتبار الحداثة تطبيقا إبداعيا لا تطبيقا اتباعيا

فالحداثة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الابداع ، فالحداثة ممارسة داخلية مبدعة ، لا تنال إلا عن طريق الابداع و تجاوز مفهوم الاتباع ، و بالتالي تكون الحداثة ممارسة داخلية مبدعة [25] ، فمبدأ الرشد يعتبر أن الأصل في الحداثة هو الانتقال من حالة القصور إلى حالة الرشد ، فالقصور هو اختيار التبعية للغير و تتخذ التبعية أشكال مختلفة أحدها التبعية الاتباعية و هي أن يسلم القاصر قياده عن طواعية لغيره ليفكر مكانه ، حيث كان يجب أن يفكر هو بنفسه و التبعية الاستنساخية و هي أن يختار القاصر بمحض إرادته أن ينقل طرائق و نتائج تفكير غيره و ينزلها بصورتها الاصلية على واقعه و أفقه ، و التبعية الاصلية أن ينساق القاصر من حيث لا يشعر إلى تقليد غيره في مناهج تفكيره و نتائجه لشدة تماهيه مع هذا الغير [26] ، يسهم وعي العقل العربي بمبدأ الرشد في الخروج من حالة القصور المعرفي و العجز الفكري و في هدم فكرة الاتباع الطوعي لما ينتجه العقل الغربي ، كما أنه نقد ضمني لأطروحة عبد الله العروي في أن الحداثة الغربية نستوعبها بأدواتها الداخلية ممثلة في الايديولوجيا الماركسية ، فيعني مبدأ الرشد أن نفكر في أوضاعنا الحضارية من دون أن يفكر الآخر بدلا منا .

أما بخصوص مبدأ النقد فيرى أن الاصل في الحداثة هو الانتقال من حالة الاعتقاد إلى حالة الانتقاد ، حيث يتم إخضاع كل المنظومات الفكرية و الثقافية إلى عملية النقد و التمحيص ، و ليس النقد في اتجاه التراث الاسلامي فقط بحجة أن الحداثة الغربية بدأت بنقد التراث المسيحي و تجاوزته ، أي نقد التراث الحداثي ذاته ، و المبدأ الثالث الذي يقره طه عبد الرحمن هو مبدأ الشمول الذي مقتضاه أن الأصل في الحداثة هو الاخراج من حالة الخصوص إلى حالة الشمول ، و المراد بالخصوص هنا شيئين : هما وجود الشيء في دائرة محدودة ، و وجود الشيء بصفات محددة [27] و يسهم الوعي بهذا المبدأ في التأسيس لرؤية شاملة في النظر إلى الأشياء و العالم ، و يقضي بالتوسع في كل مجالات الحياة الإنسانية و التعميم على باقي المجتمعات .

تأسيسا على الوعي الحداثي بالمبادئ الثلاثة ، يخلص طه عبد الرحمن إلى مجموعة من الأفكار :

  • الوعي بأن هناك مبادئ متعددة لتطبيق الحداثة ، ذلك أن روح الحداثة تقدم نفسها باعتبارها جملة من المبادئ التي تسهم في وعي الفكر العربي المعاصر بها ، فلئن أخدت المجتمعات العربية بهذه المبادئ فلا يعني العمل على استنساخ التجربة الغربية في المجال التطبيقي ، بل عليها إنتاج فكر حداثي خاص بها
  • التوقف عن استيراد منتجات الواقع الحداثي الغربي و العمل على النهل من التراث و التاريخ الفكري العربي المعاصر حفاظا على الهوية الثقافية و الحضارية التي سوف تشكل مطلقا لتأسيس روح الحداثة الإسلامية في تفاعلها مع الواقع العربي

ذلك أن الحداثة في المجتمعات الغربية لا تعدو إلا أن تكون واحدة من الامكانات التطبيقية المتعددة و المختلفة التي تحملها روحها كما تم تحديدها في المبادئ الثلاثة

  • روح الحداثة ليست مفهوما خاصا بمجتمع معين ، بل هي عبارة عن مفهوم كوني بصم تاريخ الإنسانية فهي ملك لكل أمة متحضرة نهضة بالجانبين العمراني و التاريخي ، فالأول من حيث البعد المادي و الثاني يهم البعد المعنوي

و حسب طه عبد الرحمن فإن الوعي و التأسيس لروح الحداثة الإسلامية يقتضي الوقوف عند النقاط التالية:

  • بلورة وعي بتعدد تطبيقات مبادئ الحداثة ، فإذا كان لدينا الوعي بروح الحداثة يجب أن يمتد هذا الوعي إلى أن تكون تطبيقات هذه المبادئ متعددة
  • إن الوعي العربي مطالب بوعي نقدي بالمآلات التي انتهت إليها تطبيقات روح الحداثة في المجتمعات الغربية ، حيث نجد أن هذا التطبيق و سمته تلة من الآفات و النتائج المخالفة لما كان يراهن عليه فلاسفة الفكر العربي المعاصر [28]
  • العمل على تأسيس وعي نقدي في الفكر العربي بأن الحداثة هي حداثة جوانية ( داخلية ) فتكون الحداثة تطبيقا داخليا و ليس تطبيقا خارجيا ، إن الدعوى القائلة بأن هناك حداثتين : حداثة من الداخل أو بحسب اصطلاحهم حداثة جوانية ، و حداثة من الخارج باصطلاح هؤلاء حداثة برانية دعوى باطلة [29] و بالتالي تنبع الحداثة حسب طه عبد الرحمن من الذات المجتمعية و إلا لن تكون حداثة
  • يسهم الوعي بالحداثة العربية في الكف عن استيراد منتجات الواقع الحداثي الغربي ، فالأصل أن نبدأ بروح الحداثة لا من تطبيقاتها التي تؤكد على التحولات التاريخية و تنفي نهاية التاريخ ( فرانسيس فوكوياما و صمويل هنتنغتون )
  • ضرورة الوعي بالجانب الإبداعي في الحداثة داخل المجال التداولي العربي ، بحيث تكون الحداثة إبداعا شخصيا ينبع من الداخل ، و ليس إتباعا يقلد المجتمعات الغربية ، و يرى فيها قمة الابتكار و الحداثة ، لهذا يقول الدكتور جابر عصفور : ” إن الحداثة هي الابداع الذي هو نقيض الاتباع ، و العقل الذي هو نقيض النقل “

فعملية التقليد لا تثمر و لا تؤتي أكلها الحضاري ، حيث تعمل على تكوين مجتمعات هجينة من الناحية البنيوية للمستوى الاجتماعي و الثقافي ، فلا هي مجتمعات حداثية على النمط الغربي ، و لا هي مجتمعات تقليدية ما قبل حداثية ، و تكرس هذه الثنائية مزيدا من التشظي و الانقسام الاجتماعي و هدرا للطاقات الاجتماعية بدلا من النهوض الحضاري.

و قد انتقد طه عبد الرحمن الوعي المقلد للحداثة الغربية لدى المفكرين العرب ، فتأسيس للحداثة الإسلامية يتطلب الوعي الكامل بالفرق بين روح الحداثة و تطبيقاتها التي ترتكز على ثلاث مبادئ أساسية : مبدأ الرشد ، النقد ، ثم الشمول  و بهذا الفصل بين روح الحداثة و واقعها هو المدخل لتأسيس حداثة إسلامية خاصة بالمجتمعات العربية.

  • نقد أطروحة الحداثة عند طه عبد الرحمن

إن مرجعية مقولة الحداثة عند طه عبد الرحمن قد إستمدها من الفيلسوف الالماني يورغن هابرماس ، لكنه أعاد صياغتها بمنظوره الخاص عندما أراد أن يجد لها تجليا من داخل المجال التداولي العربي الإسلامي ، و بالتالي فهي مقولة منقولة ، و ليست مأصولة لأن هابرماس هو الذي ميز بين فكرة الحداثة و روحها في كتابه ” القول الفلسفي للحداثة ” و قصد بها إنقاد تراث الانوار و قيم التنوير الفلسفي من المساءلات التدميرية بخاصة لدى فوكو و جيل دولوز و جورج بطاي و موريس بلانشو… و من خلال القسمة الثنائية التي أدخلها هابرماس أفرزت عقلا يتسم بالنجاعة و الفعالية .

كما يؤكد صاحب كتاب ” المساءلة النقدية للحداثة و العولمة في مشروع  طه عبد الرحمن ” أن هناك ثغرة في منهجية طه عبد الرحمن على مستوى الكتابة بصفة عامة في مؤلفاته ، حيث يقوم بتقسيم المقسم و تجزئة المجزأ ، حتى أن القارئ لنصوصه يتعذر عليه المتابعة الدقيقة لتحليلاته ، بالإضافة إلى المرجعية الصوفية التي يود إخراجها لنا مخرجا جديدا غير مهتم بتاريخيتها و سننها الاجتماعية الكونية .

خاتمة :

ختاما يمكن القول بأن قضية الحداثة هي إشكالية لا تزال تشغل تفكير العقول العربية ، فهي أشبه بذلك الهم الميتافيزيقي الذي يعتري الفيلسوف ، و قد حاول فيلسوفنا المغربي طه عبد الرحمن معالجتها باعتماد مجموعة من الادوات الفكرية و المنهجية منتقدا بذلك الوعي المقلد للحداثة الغربية ، حيث دعى لبناء حداثة جوانية ( داخلية) تنطلق من وعي المفكر العربي بمحيطه الثقافي ، و ذلك عن طريق ثلاثة مبادئ : مبدأ الرشد ، مبدأ النقد ، مبدأ الشمول من أجل تأسيس رؤية حداثية تقوم على مبدأ القراءة التكاملية أو مبدأ تكامل المعارف .

فهل يمكن إعتبار طه عبد الرحمن الفيلسوف المجدد للفكر العربي المعاصر ، و ذلك نظرا لإنتاجه لمفاهيم فلسفية مغايرة داخل الساحة الفكرية العربية المعاصرة ؟

 

[1] أندري لالاند ،  موسوعة لالاند الفلسفية ، تعريب خليل أحمد خليل ، ج 1 بيروت : منشورات عويدة ، 2001 ، ص 212

[2] بول ريكور ، محاضرات في الإيديولوجيا و اليوتوبيا ، ترجمة فلاح رحيم ، القاهرة ، دار التنوير ، 2002 ، ص 139

[3] هيغل ، موسوعة العلوم الفلسفية ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، القاهرة ، دار التنوير،  2000 ، ص 202

[4] إدموند هوسرل ، أزمة العلوم الأوروبية و الفينومينولوجيا الترنسندنتالية ، ترجمة اسماعيل المصدق ، بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2008 ، ص 459

[5] كارل ماركس و فرديريك إنجلز ، الايديولوجيا الألمانية ، ترجمة فؤاد أيوب ، دمشق : دار  دمشق ،   1976 ، ص 30

[6] مصطفى حجازي ، الإنسان المهدور : دراسة تحليلية نفسية إجتماعية ، الرباط : المركز الثقافي العربي ، 2006 ، ص 227

[7] محمد سبيلا ، مدارات الحداثة ، الشبكة العربية للأبحاث و النشر ، 2009 ، ص 123

[8] يورغن هابرماس ، القول الفلسفي للحداثة ، ص 34

[9] ألان تورين ، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم ، ترجمة جورج سليمان ، المنظمة العربية للترجمة ، 2012 ، ص 135 ، ( بتصرف )

[10] زيغمونت باومان ، الحداثة السائلة ، ترجمة  حجاج أبو جبر ، الشبكة العربية للأبحاث و النشر 2016 ، 50

[11] محمد عابد الجابري ، نحن و التراث ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1982 ، ص 16

[12] نفس المرجع ، ص 16 ، ( بتصرف )

[13] محمد عابد الجابري ، الخطاب العربي المعاصر ، دراسة تحليلية نقدية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1995 ، ص 25 ، ( بتصرف )

[14] عبد الإله بلقزيز ، من النهضة إلى الحداثة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2009 ، ص 9

[15] نفس المرجع ، ص 12

[16] كمال عبد اللطيف ، أسئلة الحداثة في الفكر العربي : من إدراك الفارق إلى وعي الذات ، الشبكة العربية للأبحاث و النشر ، 2009 ، ص 17

[17] المرجع نفسه .

[18] نفس المرجع ، ص 11

[19] فتحي المسكيني ، الهوية و الزمان ، تأويلات فينومينولوجية لمسألة النحن ، بيروت : دار الطليعة ، 2001 ، ص 56  

[20] طه عبد الرحمن ، بؤس الدهرانية : النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين ، بيروت ، الشبكة العربية للأبحاث و النشر ، 2016 ، ص 131

[21] طه عبد الرحمن ، روح الحداثة ، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية ، المغرب ، المركز الثقافي العربي ، 2006 ، ص 12

[22] نفس المرجع ، ص 18

[23] نفس المرجع ، ص 24

[24] طه عبد الرحمن ، روح الحداثة ، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية ، المركز الثقافي العربي ، الطبعة الاولى ، 2006 ، ص 34

[25] نفس المرجع ، ص 35 ، ( بتصرف )

[26] نفس المرجع ، ص 25

[27] نفس المرجع ، ص 28

[28] نفس المرجع ، ص 32

[29] نفس المرجع ، ص 34

بوشعيب بن ايجا، طالب بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط تخصص الفلسفة و كاتب في مجال الفلسفة و التربية

 

 

إغلاق